مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

اختلاف المفاهيم

في سياسة الأمم.. ما أشبه الليلة بالبارحة

د.عبدالرحمن الجيران
2014/03/10   09:33 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



يخبرنا ربنا تبارك وتعالى ان الأمور تجري في هذه الدنيا على نسق واحد وحقائق التاريخ الماضي والقديم والحاضر والمستقبل، تؤكد ان بداية انحراف كل أمة كانت على هدى وصلاح تكون بالتشبه بالأمم السابقة عليها، والتي لها من القوة والشدة والبأس وكثرة الأموال والأولاد ما ليس عند الأمة المستضعفة، قال تعالى {كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(التوبة 69)، ومعنى الآية ان حالكم سيكون كحال من سبقكم من الامم لا تختلفون عنهم في العادات والعبادات.
وروى البخاري حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ؟» يعني من يكون سوى هؤلاء؟.
هذه سنة كونية جرت في جميع الأمم السابقة واللاحقة، وهي حب الضعيف التشبه بالقوي حتى ولو كان بالباطل «حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه؟» هكذا وبلا مقدمات، وهذه هي ثقافة الانهزام السائدة فينا اليوم، وهؤلاء الذين نسعى للتعلق بأذنابهم، ما هي أحوالهم؟ هل هم على شيء في ميزان الله تعالى؟ الجواب لا، والدليل قوله تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالانْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ الَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ الَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (المائدة 68)، ولكل عاقل ان يسأل نفسه ما قيمة الاهرامات التي شيدها فرعون وهو في كل صباح ومساء تعرض عليه نار جهنم لتحرقه في قبره قال تعالى {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (غافر46).
وقال ابن عباس رضي الله عنه ما أشبه الليلة بالبارحة هؤلاء أهل الكتاب شبهنا بهم غير أني لا أعلم أتعبدون العجل أم لا؟ بمعنى هل سنعبد العجل وهو ولد البقر كما عبدته بنو اسرائيل لما غاب عنهم موسى أم لا؟.

ما حكم التشبه بالكفار؟

التشبه بالأمم الكافرة لا يجوز حتى لو قصد المسلم خيراً، ولهذا جاء النهي عن الصلاه وقت شروق الشمس لأن هذا من فعل الكفار، ولما في ذلك التشبه في الظاهر الذي لا يخلو من الانجرار الى المحبة في الباطن ومن ثم الموالاة، ولهذا السبب وضع شيخ الاسلام ابن تيمية كتابه العظيم (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم)، قال تعالى {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ اخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الايمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا ان حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة 22).
ويكون التشبه بما يلي:-
-1 الاستمتاع بالشهوات، حيث استمتعنا بالشهوات كما استمتع الذين من قبلنا، وهذا الاستمتاع المبالغ فيه شغلنا عما هو أهم في الواقع شغلنا عن الله تعالى، وشغلتنا الشهوات عن الموت والحساب واليوم الآخر، فكانت النتيجة أننا نسينا كل ذلك كما نسيت الامم من قبلنا ولما شاركناهم في الوسيلة شاركناهم في العاقبة والعقوبة {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (التوبة 69).
-2 الخوض كالذي خاضوا، وهذه الثانية أننا خضنا بالأمور التي خاض فيها الكفار والأمم من قبلنا، وشاركناهم في ماهية الخوض وفي آلية الخوض، أما الخوض في الماهية أي في الأمور التي خاضوا فيها، وهي كثيرة ومنها العقيدة فدب فيهم الاختلاف وانتشر بينهم، حيث اختلفوا في عيسى بن مريم عليه السلام، واختلفوا في أمه مريم البتول عليها السلام، واختلف اليهود بعزير وجعلوه الهاً؟، وانتشر فيهم الاختلاف وسيبقى الى يوم الدين قال تعالى {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} (مريم34).
وهذه من الأمور التي لا يجوز الاختلاف حولها لأنها جاءت محسومة من الله تعالى، ولهذا عندنا لا يجوز الاختلاف في مسائل أصول الايمان، وهي الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره ومسائل أركان الاسلام ومبانيه ومواقع الاجماع. وأما آلية الخوض فهي اشراك جميع الناس على اختلافهم واعطاؤهم الحق في توجيه النقد لأي شيء؟ بلا حدود، وبلا ضوابط ولا قيود عقائدية أو أخلاقية أو اجتماعية؟ فعمت الفوضى وحل الخلاف واستعصى على الحل فاتسع الخرق على الراقع، وأصبح الدهماء والرعاع هم الذين يقررون السياسات العامة، وينتقدون، كما يحلو لهم مما أدى الى بلبلة الافكار واختلاط الامور لعدم تولي اهل الخبرة والاختصاص زمام الأمور.
وفي التعبير القرآني البليغ (وخضتم)، والخوض في اللغة معناها التردد بلا علم ولا روية، وهو العمل الباطل الذي لا خير فيه، وقد نهانا الله تعالى عن الجلوس مع الخائضين، قال تعالى {وَاذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَامَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(الأنعام 68).
ومما يؤسف له حقاً اليوم ان القنوات الحوارية التي تخوض في الجدل العقيم، هي التي تجد قبولاً ورواجاً بين المسلمين بغض النظر عما تخرج به من نتائج أو تقدم من خلاله من حلول؟ وفي تقديري المتواضع ان القضية اليوم هي من سيقود التغيير؟ وبأي مفهوم وما هي أبعاده؟ ولاحظ معي أيها القارئ ان المسألة من يقود التغيير؟ وليس الاصلاح؟.
-3 كما شابهناهم بكثرة الجدل العقيم وحق علينا قول رسولنا الكريم (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه الا أوتوا الجدل).
-4 كما شابهناهم بترك اقامة الحد على الشريف وتطبيقه على الضعيف.
-5 كما شابهناهم باختلافنا على الرسول صلى الله عليه وسلم حيث ما زال المسلمون اليوم يتحاكمون الى غير سنة النبي صلى الله عليه وسلم والله تعالى يقول {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} النساء 65.

السؤال الآن ما الذي اخذناه من الدينا؟

إذا عقدنا مقارنة بسيطة بين ما أخذه المسلمون من الدنيا وما طبقوه من الدين لوجدنا المفارقة واضحة، حيث اننا تنافسنا على الدنيا أكثر من تنافسنا على الآخرة، ولهذا تغيرت المفاهيم والقيم لدينا، قال صلى الله عليه وسلم «مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى ان تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» (رواه مسلم)، ومما قرره أهل العلم الراسخون ومن خلال تجارب الحضارة الاسلامية العريقة في الأمم والشعوب ولما انصرفت همم المسلمين نحو الدنيا وتعلقت قلوبهم بها وتحركت قلوبهم الى ما عند الكفار من متاع الحياة الدنيا، فلما وصلوا الى هذه الحال ونسوا الآخرة حصل لهم من الذل والهوان، بحيث استخف بهم أعداؤهم وتداعت عليهم الأمم كما تداعى الأكلة الى قصعتها فغزوهم بعقر دارهم، وأخذوا ما في أيديهم عفواً وصفواً بلا منازع، وهذه حال لا يرضى بها ربنا تبارك وتعالى ولا ترضى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، قال تعالى {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (الحجر88) ومازال المسلمون يراوحون مكانهم في التماس الحلول الخارجية تحت شعار (الاصلاح من الخارج)، هذا الشعار الذي ما زال الغرب يردده وانساق وراءه المسلمون كالقطيع الذي يساق الى الموت وهم ينظرون!!، ولا أدري أين عقولهم؟ وأين اسلامهم لله؟ وأين علماؤهم؟ كيف تنساق هذه الشعوب المستضعفة في ثورات الربيع العربي ويرفعون شعارات مبهمة، وقد وضعوا ثقتهم بالغرب أكثر من ثقتهم بربهم، حيث قال لهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ان تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد7).
ولكن للأسف هم يريدون نصر الله بالشعارات والاعتصامات والمظاهرات، لا يريدون التزاماً يشرعه الله ولا تزكيةً لنفوسهم ولا تربيةً لأبنائهم، والمخالفات للشريعة بينهم لا حصر لها، ومع هذا يؤملون نصر الله تعالى لهم، ونحن نعلم علم اليقين ان المسلمين انهزموا شر هزيمة في غزوة احد، وحصل فيهم القتل والجراحة بسبب واحد وهو مخالفة الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ورغبتهم بالغنيمة فانقلبت عليهم الموازين فبدل الله عزهم ذلاً وقوتهم ضعفاً وخيبة فكيف بنا اليوم، وهذه المخالفات الشرعية لله يبررها الاسلاميون للأسف قبل غيرهم!! فحقاً ما أشبه الليلة بالبارحة.
لا مانع من استفادة المسلم من تجارب الآخرين من الأمم المتقدمة مادياً، مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم من أخذه فكرة حفر الخندق من سليمان الفارسي رضي الله عنه، كما ان المسلم يستمتع بالطيبات التي أباحها الله تعالى له على وجه لا يصرفه عن الواجبات ولا يوقعه في المحرمات، كما ان المسلم لا يتكلم الا بعلم ولا يخوض في الحديث بغير حجة ولا برهان، واذا جادل جادل بالحق واستيضاحه، ولهذا جاء الاسلام بالنهي عن الالتفات لشيء سوى الكتاب والسنة، ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم انكاراً شديداً على عمر رضي الله عنه لما رآه يقرأ بصحيفة من التوراة مستحسنا ما جاء فيها، فقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ وأيم الله لو ان موسى حياً لما وسعه الا اتباعي، والمعنى أنه لا يجوز ان يلتمس المسلم الهداية بغير الكتاب والسنه، وقد أتم الله تعالى علينا نعمته، حيث قال {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلامَ دِينًا} (المائدة 3).

د.عبدالرحمن الجيران
Dr.aljeran_wk@yahoo.com
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
797.9912
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top