مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

طرف الخيط

اليابانيون.. في بيوتهم

خليل علي حيدر
2014/02/17   09:21 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image

على ضيق مساحتها وقلة خاماتها لاتزال إحدى أكثر الدول التي تقدم الاختراعات


في كتابه «مفاكهة الخلان في رحلة اليابان»، الذي نشره الاديب المصري المعروف «يوسف القعيد» عام 2001، يتحدث عن «البيت الياباني» بوصفه جحيماً للناس هناك!
«في زمن الوفرة الذي تعيشه اليابان في هذه الايام قامت اليابان بشراء عدد هائل من الاعمال الفنية الاصلية من كل مكان من العالم». ثم طرح الاديب سؤالا محيرا نتركه للقارئ، قال: «لا أعرف بدقة لماذا لم تنتج الحضارة اليابانية اعمالا خالدة من الفن التشكيلي؟ مثل الرواية والسينما والمسرح؟!».
وقد نضيف الى هذه الفلسفة والنظريات الاجتماعية والنفسية والتاريخية، فنهضة اليابان ودول آسيا لم تسبقها نظريات عقائدية ورؤى فلسفية كتلك التي سبقت الثورة الفرنسية وبناء الدولة الالمانية والليبرالية الانجليزية والثورة الروسية.. الخ.
«لقد اشترى اليابانيون اصول اعمال فنية خالدة. وفي متحف «هاكوني» جمعوا كمية من الاعمال الفنية تجعل هذا المتحف ينافس «البوريفاج» في لينينغراد ومتحف المتروبوليتان في باريس، وقد شاهدت المتحفين، هنا في هاكوني كنوز فنية رائعة.. وفي المتحف مبنى كبير خاص ببيكاسو».
هاكوني مدينة متناثرة فوق الجبال، على مبعدة مائة كيلومتر فقط.. عن طوكيو. واكبر عدد من البيوت المتجمعة مع بعضها في مكان واحد لا يزيد عن اربعة أو خمسة بيوت، اما هدف هذه الزيارة فكان زيارة جبل فوجي!
كان السحاب حولنا ونحن فوق الجبل، يقول القعيد «لأول مرة في حياتي ألمس ذلك الشيء الهش الذي يبدو من بعيد مثل القطن المندوف، كنت اتصور من قبل ان السحاب يتكون من الماء، ولكن يبدو انه يتحول الى الماء في مرحلة لاحقة».
اليابانيون، لاحظ احد الغربيين في كتاب صادر عام 1898، قبل أكثر من قرن، يسكنون في بيوت لا اساس لها ولا سرداب، وبفواصل يسهل تحريكها، وتقع افضل الغرف خلف بقية غرف المنزل.. مطلة على الحديقة.. البيوت بلا ممرات داخل المنزل، حيث تفتح كل غرفة على الاخرى، واذا كان للمنزل دور ثان لا تراه بحجم الدور الارضي، كما ان الصعود اليه يكون بدرج بسيط يشبه السلم (Things Japanese, Basil Chamberlain, Londan, 35 -37) في اليابان يقول القعيد «جحيم اسمه البيت، وعدم دعوة الضيوف للذهاب اليه ليس سبب التحفظ الذي يبدد من سمات الشخصية اليابانية، ولكن بسبب ضيق هذا البيت، وانعدام انسانيته، مساحته متوسطها خمسون مترا، ولم اشاهد انا خلال وجودي في اليابان تلك البيوت الرحبة والفسيحة».
الكثير من اليابانيين يشرب الكحول وبخاصة شرابهم المعروف «ساكي».
«ثمة مشهد لابد وان يلاحظه الانسان في الشوارع مساء كل يوم، وان كان يبدو شديد الوضوح مساء السبت من كل اسبوع، الا وهو السكارى الذين يترنحون. يبدأ هذا المشهد منذ الثامنة مساء ويصل الى الذروة قبل انتصاف ليل اليابان الحزين، في كل المدن رجال سكارى احبطوا وعجزوا عن تحقيق احلامهم»، عندما كنت امشي في شوارع «جنزا» في الليل، الشارع الرئيسي في طوكيو، وهو اهم واغلى وافخم شوارع المدينة، ويبدو دائما مزدحما بالناس، يقول القعيد «كنت اشاهد طابورين، طابورا للرجال والنساء السكارى على الرصيف، وطابورا لسيارات التاكسي كنت اتصور ان في اليابان سيارة لكل مواطن، فقيل لي: ان ملكية السيارات ليست مطلقة في هذه البلاد، فكل من يقفون في انتظار التاكسي هم من العمال الفقراء الذين لا يملكون سيارات حتى وان كانوا يعملون في مصانع السيارات اليابانية، ومن يمتلك سيارة، فان احدا لا ينزل بها الى قلب المدينة، الوصول يتم عبر المواصلات العامة وهي مريحة وسهلة، السيارة الخاصة تستعمل فقط في عطلة نهاية الاسبوع من اجل فسحة العائلة».
لماذا يشرب الرجال والنساء بكثرة في اليابان؟ انه بسبب الاحباط! سألت عن اسباب هذا الاحباط العام الذي يملأ حياة الناس، يوضح القعيد «فقيل لي ان البيت الياباني هو مصدر البؤس الانساني الاول في هذه البلاد، بسبب ضيقه الشديد، ان اعلى نسبة انتحار في العالم هنا، وتبدو مشكلة ضيق البيوت بدون حل. ان حجم البيت الياباني في المتوسط خمسون مترا مربعا، لا يصلح لان تقيم فيه اسرة، ولهذا يتحول الناس هنا الى نوع من الاقامة الفردية، كل فرد يعيش بمفرده، ولهذا قد تصل مساحة الشقة الى امتار صغيرة جدا لا تزيد عن غرفة، حتى لو لم يقع الطلاق قد يجد الزوج والزوجة راحتيهما في ان يقيم كل منهما بمفرده، بعيدا عن الآخر».
ضيق مساحة اليابان وبخاصة البقع الصالحة للزراعة والحياة كان من بين حوافز التوسع الخارجي وانزلاق البلاد الى الحروب وبخاصة في القرن العشرين.عدد السكان في انحدار والشيخوخة واسعة الانتشار، فالانجاب «يبدو مخاطرة غير محسوبة، والاقبال عليه قليل»، الايدي العاملة مكلفة جدا، والاسواق في اليابان «مصممة من اجل الاستغناء عن العمالة بقدر الامكان».
واليابان على ضيق مساحتها، وقلة خاماتها، وكثرة زلازلها، ومخاطر كوريا الشمالية، وخلافاتها مع الصين، ومشاكل تسرباتها الذرية، لاتزال دولة آسيوية كبرى، واحدى اكثر الدول التي تقدم الاختراعات والابتكارات، وتمد لبلدان العالم يد العون، بما في ذلك الكويت، عندما تقع الازمات والكوارث.

خليل علي حيدر
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
1129.9891
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top