منوعات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

منتدى الآل والأصحاب

2014/01/03   06:01 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
منتدى الآل والأصحاب



نبذ العنصرية في تراث الآل والأصحاب

د.أحمد سيد أحمد علي

ورد تعريف العنصرية في المعاجم العربية بأنها تعصب الْمَرْء أَو الْجَمَاعَة للْجِنْس(1). أو مذهب المتعصبين لعنصرهم، أي جنسهم أو لمذهبهم، والتمييز العنصري مَذْهَبٌ قَائِمٌ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَشَرِ بِحَسَبِ أُصُولِهِمُ الْجِنْسِيَّةِ وَلَوْنِهِمْ..أو حتى مستواهم الاجتماعي وقدراتهم المالية.
فهي تمييز أو استثناء أو قيد أو تفضيل مبنيّ على الجنس أو اللون أو الوراثة أو القومية أو الأصل العرقي(2). اذاً فالعنصرية هي التعصب للقبيلة أو النسب أو العرق أو اللون أو المستوى الاجتماعي أو المالي..مع احتقار الطرف الآخر، وهي خلق مذموم، ووصف مرذول، وعادة قبيحة، وسنة سيئة، يحمل عليه الغرور الجارف أو التقليد الأعمى أو الحب المتطرف، وتمليها الأثرة والأنانية وحب الذات والادعاء الكاذب وعدم التقدير لشعور الغير وحقوقه وواجب المجتمع عليه، وهي في جميع أشكالها ومظاهرها لها نتائج خطيرة، وآثار سيئة على الفرد والمجتمع.
ان العنصرية من الرزايا التي حلّت بالأمة الاسلامية، والتي ساهمت بقدرٍ كبير في ان تفقد هذه الأمة ذاتيتها وتماسكها، وترتب عليها – مضافة الى غيرها – ان تحولت الأمة الى أشلاء ممزقة متناثرة، لا وزن لها أمام أعدائها، ولا يكاد يجمعها جامع أو يضمها كيان.
واذا كانت الأمم المتحدة قد شجبت وأدانت التمييز العنصري حديثا فقد سبقها الاسلام في ذلك بكثير، فأرسى مبادئ ودعائم المساواة الحقيقية بين الأفراد في مجتمعهم، وواجه وجابه كل صنوف وأشكال العنصرية الممقوتة، وكذا كل ما يتعلق بها من محاباة ووساطة ومحسوبية، وما يترتب عليها من اهدار للطاقات وتعطيل للقدرات واقصاء للكفاءات.
وذلك كله بالاعلان القرآني الخالد: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ان أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إن اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.(الحجرات: 13).
ان القرآن ينادي عموم الخلق لا خصوص الأتباع ويذكرهم بوحدة الأصل حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يتعاظم أحد على أحد، وجعلناكم شعوبا وقبائل كذلك ليعرف بعضكم بعضاً، فتصلوا الأرحام، وتتبينوا الأنساب، وتتعاونوا على ما ينفعكم، ويصلح شأنكم. وتوقنوا أنه لا فضل لجنس عَلى جنس، ولا للون على لون، الا بمقدار حسن صلتهم بربهم، وطاعتهم لخالقهم- عز وجل-.

الوحدة الاسلامية قاهرة العنصرية

الوحدة هي طبيعة هذا الدين وركنه الذي تقوم عليه دعوته الموجَّهة الى الناس أجمعين قال تعالى: {إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 92) {وَإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (المؤمنون:52).
نعم أمة واحدة في العقيدة والمنهج والشعور والهدف والمصير، أمة واحدة يجمعها اله واحد، ودين واحد ونبي واحد وقرآن واحد، وشريعة واحدة، وآذان واحد.
فالوحدة من خصائص الاسلام الذاتية ومن ميزاته التي جمعت حوله القلوب، حتى كان من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم الأوائل بلال بن رباح الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي رضي الله عنهم، ومع أنهم من غير العرب الا ان النبي صلى الله عليه وسلم قهر بهم العنصرية البغيضة وكوَّن منهم أمة واحدة قامت على أكتافها أعباء الرسالة الاسلامية، هذه الرسالة التي جسّدت معنى الوحدة بكل صورها وأشكالها، ورفضت كل صنوف العنصرية.

الإسلام حرب على العنصرية

إن كثيرا من مبادئ الاسلام وتعاليمه شكلت في مجموعها حرباً على العنصرية بكافة صنوفها وصورها، عنصرية الاقليم أو العرق أو اللون، لأنها داء عضال اذا استشرى في مجتمع ما كان نذير دمار وهلاك له.
ولهذا يرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم الى ترك العصبية وينبهنا الى وحدة المصدر التي يشترك فيها عموم البشر، فيقول في احدى خطب حجة الوداع: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا ان رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَانَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، الَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ»، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ...(3).
ان اسلامنا الذي نعيش له، وندعو اليه، ونوالي له، ونعادي من أجله يدعونا الى المساواة الحقيقية ويحذرنا من العنصرية القاتلة.
ويقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ»(4).
وفي سنن أبي داوود: لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا الَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ»(5).

العنصرية صفة إبليسية

يعد ابليس أول منظِّر ومطبِّق للعنصرية، فهو أول من استعملها وطبقها مع الانسان الأول آدم أبي البشر، حين تعاظم بأصل خلقته وهو النار على أصل خلقة آدم وهو الطين، متوهماً أفضليته عليه، أو أفضلية عنصره على عنصر آدم، وقد حكى لنا القرآن حوار الرحمن مع الشيطان، فحين أمره الله بالسجود لآدم أبى وتكبر، فسأله الله: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ اذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}.
انه تعاظم بناره على طين آدم كبرا منه وعنادا، فكانت النتيجة المرتقبة ان طرده الله من جنته.
{قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ ان تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ انَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}.(الأعراف 12 / 13).
«ان عنصرية ابليس أدت به الى الطرد الأبدي من رحمة الله، اذاً فالأصل في العنصرية أنها صفة ابليسية، ومن تلبس بها فقد يؤدي به ذلك الى الطرد من رحمة الله كما طرد شيطانه»(6).

الممارسات العملية للنبي مع آله وأصحابه لنبذ العنصرية

أوضح النبي صلى الله عليه وسلم لآله وأصحابه رضي الله عنهم ولنا من بعدهم ان الاسلام لا يقر التعاون بين البشر على أساس الوراثة أو الأصل أو الجنس أو اللغة «فلا امتياز في الاسلام للونٍ معين، ولا لجنسٍ من الناس، ولا لاقليم من الأقاليم في الأرض – ما خلا أفضيلة المساجد الثلاثة التي تشد اليها الرحال-، فالكل سواسية، لا فضل لأحدٍ على أحد الا بما يبذل من جهد وما يقدم من عطاء، فالتمييز في الاسلام قائم على أساس العمل، وليس على أساس النسب، مرتكز على التقوى، وليس على كثرة المال، نابع من القيمة، وليس صادراً عن الهوى ومظاهر الحياة المادية»(7).
لقد أفهم نبينا صلى الله عليه وسلم العرب ان دين الله عام خالد لجميع عباده، وأن خلق الله أمام الله سواء كأسنان المشط، ثم رأيناه صلى الله عليه وسلم يقرِّب اليه بلال بن رباح الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيباً الرومي رضي الله عنهم، ويجعلهم في صف خلصائه، كأبي بكرٍ وعمر وعلي.
ولم يكن هذا الأمر مجرد شعار تلوكه الألسنة وانما كان واقعاً معاشاً، وقد أكدت الممارسات العملية للنبي صلى الله عليه وسلم مع جيل الآل والأصحاب على أهمية نبذ العنصرية، وبث روح المساواة في مجتمع الاسلام.
فها هو نبينا صلى الله عليه وسلم ينزعج انزعاجا تاما ويغضب من أبي ذر رضي الله عنه لأنه عيَّر رجلاً بأمِّه، وقيل: هو بلال رضي الله عنه، وفي رواية أنه قال له: يا ابن السوداء، فوجَّه النبي صلى الله عليه وسلم خطابه الى أبي ذر يلومه ويحذره من مغبة فعله قائلاً: يا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ انَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ(8).
وروي أنه قال: «ما كنت أحسب أنه بقي في صدرك من كبر الجاهلية شيء».
وروي أيضاً أنه قال له: «ارفع رأسك ما أنت أفضل ممن ترى من الأحمر والأسود الا ان تفضل في دين» فألقى أبو ذر نفسه على الأرض، ثم وضع خده على التراب وقال: «والله لا أرفع خدي منها حتى يطأ بلال خدي بقدمه» فوطئ خده بقدمه منه.
قال ابن حجر: ويظهر لي ان ذلك وقع من أبي ذر قبل ان يعرف تحريم السب(9).
ان مجرد التفاخر باللون عصبية وعنصرية من المتفاخر، وآثار من جاهلية بغيضة استشرى مرضها في القلوب، وكان يجب ان يقتلع منها اقتلاعاً وأن يجتث من جذوره اجتثاثاً، وهذا ما أدركه الصحابي الجليل أبو ذر رضي الله عنه فوضع خده في الأرض ليجتث من قلبه أي معلم من معالم الجاهلية، ويمحو منها أي أثر من آثارها.
وعقب انتهاء غزوة بدر ولما وقع العباس رضي الله عنه في الأسر طلب مجموعة من الأنصار من النبي صلى الله عليه وسلم ان يعفى عمه العباس من الفداء، فرفض النبي صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه: ان رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ائذن لنا فنترك لابن أختنا عباس فداءه فقال (لا تدعون منه درهماً)(10).
ان النبي صلى الله عليه وسلم يبغض المحاباة حتى ولو كانت لعمه، والمحاباة احدى أبرز صور وأشكال العنصرية.
بل انه صلى الله عليه وسلم يرفضها حتى ولو كانت مع ابنته، فتروي كتب السنة أنه عندما سرقت المرأة المخزومية أرسلوا أسامة بن زيد ليشفع لها، لما له من مكانة عند النبي صلى الله عليه وسلم فهو الحِب بن الحِب، فكانت النتيجة الرفض القاطع من النبي صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ان قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ المَرْأَةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ الَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، انَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا اذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَاذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ ان فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا»(11).
انها المساواة القاطعة لأي مظهر من مظاهر العنصرية، والماحية لأي أثر من آثارها.
- وحين نزل قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} (الشعراء: 214) جمع النبي صلى الله عليه وسلم عشيرته وقَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا»(12).
ان النبي صلى الله عليه وسلم يعلنها صريحة لا لبس فيها ولا خفاء ولا غموض فيها أو التواء، لا عنصرية في الاسلام، لا محاباة ولا وساطة تمنع من المساواة أو تعطل الكفاءات أو تهدر الطاقات.
وحينما اجتمع الأوس والخزرج رضي الله عنهم في المدينة وصاروا اخوة متحابين متصافين بعد ان شتتهم الحروب وفرقتهم العداوات، أحزن اليهود جمعهم وأقلقهم اتحادهم فحاولوا الوقيعة بينهم بأن ذكَّروهم بيوم مشهور من أيام الحرب بينهم، (يوم بعاث) وكادت الوقيعة ان تنجح، فأشعلت في القلب نيران العنصرية البغيضة والعصيبة المقيتة، وتنادى الأوس والخزرج: السِّلَاح السِّلَاح مَوْعدكُمْ الظَّاهِرَة وَالظَّاهِرَة الْحرَّة فَخَرجُوا الَيْهَا وَبلغ ذَلِك رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَخرج الَيْهِم فِيمَن مَعَه من الْمُهَاجِرين من أَصْحَابه حَتَّى جَاءَهُم فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار الله الله أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة وَأَنا بَين أظْهركُم بعد اذْ هدَاكُمْ الله لِلْاسْلَامِ وَقطع بِهِ عَنْكُم أَمر الْجَاهِلِيَّة وَألف بِهِ بَيْنكُم ترجعون الَى مَا كُنْتُم عَلَيْهِ كفَّارًا فَعرف الْقَوْم أَنَّهَا نَزعَة من الشَّيْطَان وَكيد من عدوهم فَألْقوا السِّلَاح من أَيْديهم وَبكوا وَعَانَقَ بَعضهم بَعْضًا ثمَّ انصرفوا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم سَامِعين مُطِيعِينَ(13).

دعوها فإنها منتنة

وفي احدى الغزوات كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا فَانَّهَا مُنْتِنَةٌ»(14).
ألا ما أعظمه من توجيه وما أدقها من عبارة «دعوها فانها منتنة».
ولقد أثمرت تلك التوجيهات النبوية المتواصلة فخلقت جيلاً فريداً لا تعرف العنصرية الى قلبه طريقاً، ولا الى سلوكه موضعاً، ان الاسلام أبدلها بنوع فريد من العلاقات الاجتماعية، أبدلها بالأخوة الاسلامية القائمة على أساس من المساواة والعدالة.
- هذه الأخوة التي غلبت أخوة النسب، وفاقتها تماسكاً وترابطاً، ففي غزوة بدر أُسِر أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه، وكان آسره أبو اليسر الأنصاري، ومرَّ بهما مصعب فقال لأبي اليسر: شُدَّ يَدَيْكَ بِهِ، فَانَّ أُمَّهُ ذَاتُ مَتَاعٍ، لَعَلَّهَا تَفْدِيهِ مِنْكَ، فخاطبة أَبُو عَزِيزٍ قائلاً: يَا أَخِي، هَذِهِ وَصَاتُكَ بِي، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: انَّهُ أَخِي دُونَكَ(15).
وها هم المهاجرون والأنصار يمحون ما تبقى من أدران الجاهلية ونعراتها، فيتسابقون الى نسبة رجل فارسي اليهم كل يريد ان يظفر به وأن يضمه الى نَسَبه.حتى قطع النبي صلى الله عليه وسلم سباقهم وظفر به دونهم.ففي غزوة الأحزاب خَطَّ النبي الْخَنْدَقَ حَتَّى بَلَغَ الْمَذَاحِجَ، فَقَطَعَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا فَاحْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ سَلْمَانُ مِنَّا، وَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: سَلْمَانُ مِنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ»(16).
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلنها صريحة دون أدنى مسحة من خجل، أو تصنع ويقول: «أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا يَعْنِي بِلاَلًا»(17).

متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟

وعن أنس ان رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين! عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذا، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر الى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس، فضرب، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين! انما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه، فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ قال: يا أمير المؤمنين! لم أعلم ولم يأتني(18).
ان الاسلام غيَّر نظرتهم للحياة والأحياء، ان عبد الأمس سيد اليوم، ألا فليشهد التاريخ أنه لا مكان للعنصرية بين الآل والأصحاب، ان الاسلام صهرهم جميعاً في بوتقته، ومزج بين قلوبهم بمبادئه وأخلاقه، فلا فرق بين أبيضهم وأسودهم ولا بين عربهم وعجمهم، ولا بين أسيادهم وعبيدهم، الا بالتقوى.
والناظر الى دعائم الأخوة التي أقرتها وثيقة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يظهر له منها مدى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على ايجاد الألفة بين المسلمين منذ اللحظات الأولى في المدينة المنورة.
ولقد قام صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة بين المسلمين ليجعل من الاسلام محور وحدتهم وأساس ارتباطهم وقطب حركتهم، وليقطع أي سبيل لعنصرية يرفضها الشرع والدين، وليجعل هذه القرابة الجديدة أقوى من قرابة الرحم والنسب، وليجعل هذه الرابطة أوثق من رابطة القبيلة والوطن.
لقد قضى بذلك على العصبيات الجاهلية، والعنصريات الفئوية، والنزعات المختلفة التي كانت تمزق المجتمع آنذاك، وأحلّ محلها حالة من الألفة والأخوة لم يذق ذلك المجتمع طعمها من قبل، فصنع من ذلك المجتمع الناشئ الصغير قوة كبرى دافعت عن الاسلام، واحتضنته بقوة، وأفشلت كل المؤامرات التي استهدفت القضاء عليه، ثم حملت رايته المنتصرة لرفعها فوق ربوع الجزيرة العربية في مدة يسيرة، ثم منها الى أقطار المعمورة.
ان هذه المعاني النبيلة التي حرص النبي صلى الله عليه وسلم على بثها في نفوس الآل والأصحاب والأمة من بعدهم، اذا ما استقرت في النفوس والقلوب، وأضحت واقعا معاشا لدى المسلمين وانقادوا اليها مذعنين، سيطرت روح التآخي وهيمنة مشاعر التواد والتواصل، وانزوت كل نزوات التعالي والكبر، وقمعت كل شهوات العنصرية والعصبية، فلا تكون الا للدين، وللدين فقط.
لقد استوعب الآل والأصحاب هذه الدروس جيداً، ووعوها حق الوعي، فانعدمت بينهم الأثرة وظهر الايثار في أروع صوره وأعظم أشكاله، حتى لكأن أحدهم يخاطب صاحبه بقوله: يا أنا، فاستحقوا بذلك وغيره ان يثني عليهم ربنا في كتابه بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ}. (الفتح/ 29).

الهوامش:

(1) المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية، 631/2.
(2) داء العنصرية: سلطان الذيب.شبكة المختار الاسلامي.
(3) أخرجه أحمد في المسند: ح (23489) وأورده الهيثمي في المجمع: (266/3ح: 5622) وقال: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
(4) أخرجه مسلم في صحيحه: ح(1850).
(5) أخرجه أبو داود في سننه: ح(5121).
(6) مجلة الجامعة الاسلامية العدد 12.
(7) محمد شامة: الاسلام كما ينبغي ان نعرفه، ص165، 166، مكتبة أبوللو القاهرة، ط2، سنة 1407هـ، 1987م.
(8) صحيح البخاري: ح(30) شعب الايمان للبيهقي: ح(4772).
(9) انظر: شرح البخاري للسفيري، 45/2. عمدة القاري للعيني: 208/1.
(10) رواه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فداء المشركين، ح(2883).
(11) أخرجه البخاري: ح(6788).
(12) أخرجه البخاري: ح(4771).
(13) سيرة ابن هشام: 556/1.
(14) أخرجه البخاري: ح(4905).
(15) سيرة ابن هشام: 646/1.
(16) أخرجه الطبراني في الكبير: ح(6040) والحاكم في المستدرك: ح(6541) وقال الهيثمي في المجمع: (130/6ح: 10133) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ كَثِيرُ بْنُ عبدالله الْمُزَنِيُّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ، وَحَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ.
(17) أخرجه البخاري: ح(3754).
(18) كنز العمال: ح(36009).





جدول محاضرات اللجنة النسائية

شهر (يناير) 2014 م

-1 الأربعاء 1/1 درس عقيدة من 6:00 الى الساعة 7:00 يليه خاطرة عن الآل والأصحاب.
-2 السبت 1/4 تلاوة وتدبر وتفسير وحفظ لسورة البقرة للشيخ/ هشام أبو العز ويليها خاطرة عن الآل والأصحاب.
-3 الأربعاء 1/8 درس عقيدة من 5:15 الى الساعة 6:15 ويليه محاضرة للداعية/ ساهرة الرميح.
وذلك بمقر اللجنة النسائية
العنوان: ضاحية عبدالله السالم - ق 1- شارع نصف اليوسف جادة 19- منزل21
ت/ 66338161

المزيد من الصورdot4line


التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
80.0016
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top