منوعات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

الازمنة والامكنة

2013/10/22   04:59 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
الازمنة والامكنة



الأناشيد المدرسية القديمة

كانت الأناشيد مادة من مواد الدراسة في كل مدرسة كويتية حتى سنة 1951م، وكان لها وقت محدد في الجدول الدراسي ولها مدرسون يختصون بمتابعة تلقينها للطلاب، وتعويدهم على إنشادها. وكان من أولئك المدرسين الذين اهتموا بهذه المادة أستاذي عبدالعزيز الشاهين رحمه الله، فقد كان يجمع لديه كل الأناشيد في دفتر خاص، ومن هذا الدفتر يتولى تدريسنا هذه المادة التي كنا نسر بها، وكانت في كل مدرسة فرقة، من فرق النشاط المدرسي تسمى: فرقة النشيد، تقوم بأداء ما تلقته من أُستاذها في طابور الصباح وفي المناسبات الوطنية وعند زيارة واحد من كبار القوم للمدرسة، أو عندما تقيم المدرسة حفلها السنوي، كان النشيد جزءاً لابد منه من الأجزاء التي تقدم في تلك الأحوال التي ذكرناها.
وللأناشيد موضوعات مختلفة مثل ما أن لها مناسبات متعددة، فهناك النشيد الديني، والنشيد الوطني، والنشيد المعبر عن الأنس بالربيع، ولكن أغلب ما كنا نسمعه أو نردده من ذلك النشيد الوطني، ولقد كانت الفترة التي تنتهي بها أربعينيات القرن الماضي هي فترة الأناشيد المتعلقة بفلسطين فقد كانت تلك أعوام الحرب العربية الإسرائيلية، وكانت الأمة العربية تكافح المعتدين بأناشيدها إذ ليس بيدها غير تلك الأناشيد التي كنا نسمعها في المدارس، وفي الإذاعات، وارتبطت أذهاننا بعدد منها كما سوف يأتي.
ولقد كانت الأناشيد التي يرددها الطلاب في مدارسهم قبل الفترة المشار إليها أناشيد أبياتها قليلة وصياغتها ليست بالقوة التي ظهرت عليها الأناشيد الجديدة المرتبطة بالمأساة والتي أبدعها شعراء متمكنون.
يقول المرحوم خالد بن راشد بورسلي عن وقت دراسته في المدرسة الأحمدية أن الشيخ أحمد الجابر وكبار القوم يحضرون إلى المدرسة ويستمعون إلى الأناشيد التي يقدمها الطلاب وكان منها هذا النشيد:
كويتنا هي الوطن
وهي الحمى وهي السكن
وهي البديعة في الزمن
فلا نرى لها مثيل
إخواننا هب الفلاح
بأحمد آل الصباح
عم الهنا والارتياح
فكن معينا يا جميل

كانت الأناشيد من أهم الأمور التي طرأت على المدارس بعد اتجاهها إلى أساليب المدارس النظامية، وكان الطلاب يحظون بتشجيع أمير البلاد آنذاك ويسعدهم بحضوره من أجل الاستماع إلى ما يلقونه من أناشيد.
هذا ولقد زحفت الأناشيد القادمة من الخارج على الأناشيد التي كانت سائدة في مدارسنا، وذلك من أجل سببين مهمين أولهما: القضية التي تحمل عبأها تلك الأناشيد وهي قضية فلسطين التي انشغلت بها الكويت كثيراً آنذاك، والثانية: الرقي الفني في أسلوب كتابة الأناشيد الواردة واتصافها بحس أدبي فني راق.
٭٭٭
وإذا أردنا أن نلقي نظرة على نماذج من الأناشيد التي قدمت إلينا في الفترة الثانية من حياتنا المدرسية وهي التي حددنا لها أواخر أربعينيات القرن الماضي، فإن النموذج الأوفر حظاً، والأكثر انتشاراً هو شعر الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان الذي كان من الشعراء المجيدين الذين كان لهم شأن في تلك الفترة، وكان له ديوان شعري مطبوع في أكثر من طبعة منها طبعة الكويت التي قامت بها مؤسسة جائزة سعود عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري، وصدرت في سنة 2002م، وهي طبعة جيدة لها مقدمة وافية عن الشاعر وعن شعره، وقد جاء فيها أن إبراهيم طوقان قد توفي في سنة 1941م، وكان ذلك في شهر مايو للسنة ذاتها.
يأخذ الشعر السياسي جانباً كبيراً من الديوان، وكان الغالب منه ما يتحدث عن القضية الفلسطينية التي كانت هي الشغل الشاغل لهذا الشاعر. ونلاحظ أن الألم يسيطر على صاحبنا سيطرة تامة وهو يشاهد الأحداث المريرة التي تجتاز وطنه، وتسلب حق أبناء هذا الوطن في العيش الكريم في بلادهم، ومما يدل على ضيقه هذه الأبيات التي قالها ناعياً على العرب عدم توصلهم إلى حل سريع وحاسم لمشكلة فلسطين مكتفين باللجان التي لا تؤدي لقاءاتها إلى عمل حاسم، فهو يَصْرَخُ أمام حفل حاشد جرى في مدينة رام الله:
لجنة إثر لجنة إثر لجنه
كلفوا الخاطر الكريم بهدنه
ولجان تأتي وأخرى تولى
هكذا يبدع السياسي فنه
حسبنا من خصالهم أن عرفنا
أيهذا الخِداع أنك مهنه
إلى آخرها…

ولإبراهيم طوقان في مجال الأناشيد فيض من الإنتاج المهم الذي يُلفت الأنظار في أساليبه وفي معانيه، وما يثيره في النفوس من حماس، وقد ترددت بيننا هذه الأنشودة كثيراً وأولها قوله:
وطني أنت لي والخصم راغم
وطني انت كُلُّ المنى
وطني إنني إن تسلم سالم
وبك العز لي والهنا
يا شباب انهضوا
آن أن ننهضا

انهضوا وارفعوا عاليا مجدكْم خالدا ساميا
وله أنشودة مهمة كنا نرددها في المدارس وكانت الإذاعات تشدو بها. وهي من أجود ما أبدعه هذا الشاعر الذي قدم أحلى الأناشيد الوطنية، أما أنشودته ا لتي نشير إليها هنا فهي:
موطني الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك
والحياة والنجاة والهناء والرجاء في هواك
هل أراك؟
سالما منعما وغانما مكرما؟
هل أرك؟ في علاك؟
تبلغ السماك
موطني…
ولقد كان هذان النموذجان من أشهر الأناشيد التي كان يشدو بها أبناء الكويت في مدارسهم، ويستمع إليها أهل الكويت عن طريق الإذاعات ويهتزون لجمالها وحسن موسيقاها ولفظها. وفي ديوان إبراهيم طوقان كثير من القصائد المهمة في الشعر السياسي وشعر الرثاء والغزل، والشعر الاجتماعي، وشعر المداعبات، ومن ذلك أننا نستطيع أن نذكر له هنا قصيدة من خارج مجال النشيد الوطني، وهي قصيدة مشهورة تغنى بها عدد من المنشدين، وتردد صداها في كل مكان، ومطلعها:
يا تين يا توت يا رمان يا عنبُ يا دُرٌ يا ماس يا ياقوت يا ذهبُ
الله الله ما هذا الدلال وما هذا الصدود، وما للقلب يضطرب
وما إن انتهت قضية فلسطين إلى ما انتهت إليه من ضياع وما إن تلفت الناس فوجدوا هذا الوطن العربي سليبا يعيث فيه اليهود فسادا حتى التفتت دائرة معارف الكويت إلى بند الأناشيد في مدارسها. فوجدت أن ما كان يقدم فيها من أناشيد في القديم إنما هي أناشيد ضعيفة غير قوية المعاني. وما تم تقديمه بعد ذلك ما هو إلا أناشيد المناسبة التي تكاد تنطوي بدليل توقف الاذاعات عن تقديم ما كانت تقدمه منها.
التفتت دائرة معارف الكويت إلى هذا البند من بنود أعمال مدارسها فوجدت أنها ملزمة بتقديم شيء جديد من الأناشيد يكون من إنتاج محلي، ويكون معبرا عن روح الوطن وصورة الحياة على أرضه، ويكون- في الوقت نفسه- قوياً وناصعاً. فوجدت أن من الأفضل لها أن تدعو إلى مسابقة عامة بين الشعراء المتواجدين في الكويت فتعرب في دعوتها عن رغبتها في الحصول على عدد من الأناشيد في موضوعات مختلفة تكون مما يقرر على الطلاب في مدارسهم، وتكون على مجموعات، كما تكون الأناشيد مرتبة بحسب المراحل التعليمية المختلفة.
ولقد صدر إعلان تفصيلي عن هذه المسابقة، نشرته مجلة (الرائد) التي كان يصدرها نادي المعلمين في الكويت، وذلك في العدد السادس للسنة الأولى الصادر في شهر أكتوبر لسنة 1952م. والإعلان يقدم توصيفا واضحا لأنواع النشيد المطلوب. ويحدد نوع الأساليب وعدد الأبيات وإمكان إنشادها بوجود فاصلة يمكن أن تكرر، وغير ذلك من الأمور التي سوف نراها جلية في الإعلان الذي أشرنا إليه، وها هو نقدمه هنا كاملا كما ورد:
«تعلن معارف الكويت بأنها في حاجة إلى طائفة من الأناشيد صالحة للحفظ والتنغيم بمدارس الرياض والمدارس الابتدائية على أن يستمد الشعراء مادتها من ظروف البيئة والتقاليد ويراعوا فيها مقدرة التلاميذ واتجاهاتهم في الصفوف المختلفة.
ونذكر على سبيل المثال- لا التحديد- جانبا من الموضوعات فيما يلي، ونرجو أن ينظم فيها الشعراء وينسجوا على منوالها.
-1 العروبة
-2 وطني الكويت
-3 تحية الأمير
-4 من أخلاق العربي
-5 تحية الربيع
-6 تحية العلم
-7 الملاح يتحدث
-8 أنشودة الصباح
-9 نشيد خاص لكل مدرسة من مدارس البنين والبنات يبين طابع كل منهما
-10 العمل
-11 الطفولة
-12 مناجاة الطيور
-13 زينة البنت
-14 أناشيد مختلفة للمناسبات الدينية
-15 القرآن الكريم
-16 دنيا الصحراء
-17 مناجاة البحر
-18 احترام الناس
-19 نشيد الكشافة
-20 أناشيد تؤدى قبل البدء في الألعاب الرياضية أو الانتهاء منها
وترجو إدارة المعارف أن يتوخى المتسابقون في أناشيدهم التي يتقدمون بها الشروط الآتية:
-1 ألا يقل عدد أبيات النشيد عن ستة أبيات ولا تزيد على اثني عشر بيتا.
-2 أن تكون أبحر الشعر التي يختارها الشعراء قصيرة ملائمة للتلحين.
-3 أن تكون الأساليب سَهْلَة والمعاني واضحة لا ترتفع فوق مستوى التلاميذ في مرحلتي الرياض والتعليم الابتدائي.
-4 من المستحسن أن يكون في بعض الأناشيد فاصلة تكرر.
هذا وترسل الأناشيد إلى مدير المعارف في ميعاد لا يتجاوز غايته آخر نوفمبر سنة 1952م، على أن يكتب الشاعر اسمه الحقيقي أو اسمه المستعار في مكان من الورقة يسهل فصله حتى تعرض على لجنة التحكيم التي تؤلفها المعارف عارية من الأسماء ضمانا للسرية والعدالة وستطبع المعارف الأناشيد الفائزة - بعد مكافأة أصحابها - وتوزعها على المدارس تمهيدا لتلحينها.
ونأمل أن يسهم الشعراء جميعا في هذا العمل الوطني الجليل».
وكما رأينا فإن المدة المحددة لتقديم الأناشيد للمناسبة تنتهي في آخر شهر نوفمبر لسنة 1952م، مع وعد بمكافأة قيمة للأناشيد الفائزة ووعد آخر بتوزيعها على المدارس حتى تلحن ويشدو بها الطلاب والطالبات.
وعلى الرغم من أن دائرة معارف الكويت قد أهابت بكل الشعراء أن يسهموا في هذا العمل الجليل كما نص الإعلان غير أننا نجد العدد المتقدم أقل من المتوقع، ونجد من شعراء الكويت من أحجم عن المشاركة، ولكل رأيه من هذه الناحية. ولذا فإننا لم نجد مشاركة من الشاعر أحمد العدواني وهو شاعر مبدع يكفي أننا قد حظينا منه بنشيد الكويت الوطني، ولا الاستاذ راشد السيف، ولا الاستاذ عبدالمحسن الرشيد، وغير هؤلاء كثيرون لم يجدوا أن من الملائم أن يشاركوا في هذا السباق، ولقد كانوا يرون أن النشيد لا يأتي على هذا النحو فإن الأناشيد الرائعة التي أبدعها إبراهيم طوقان لم تكن وليدة مسابقة، وكانوا يرون أن النشيد هو تعبير عن إحساس عميق بقيمة الوطن وما يحويه من جمال، لا يأتي هذا التعبير إلا بصورة مباشرة فيكتبه الشاعر بناء على وحي مشاعره، أما عن طريق المسابقة فإن اتخاذها وسيلة لذلك لا يأتي إلا عن فكر غير سليم، وأنا أكاد أعرف صاحب ذلك الفكر الذي أوحى إلى تلك الدائرة بفكرة المسابقة، وسوف نعرف بعد قليل نتائج هذا، وهي نتائج تضاف إلى ما رأيناه من إحجام كبار شعرائنا وعدم مشاركتهم في تقديم الإنتاج الشعري المأمول. وكم كنا نود لو أن دائرة معارض الكويت قد طلبت من هؤلاء الشعراء أن يقدموا لها إنتاجهم مباشرة، فتأخذ به من خارج نطاق المسابقة، إذن فسوف نجد في الأناشيد الواردة منهم ما يؤدي الغرض.
٭٭٭
انتظر المتتبعون لآثار الإعلان السابق حتى جاء شهر يناير لسنة 1953م، حيث نشرت مجلة الرائد إعلانا جاءها من دائرة معارف الكويت، وهو يحتوي على نتيجة مسابقة الأناشيد، وفيها أربع وعشرون نشيدة متنوعة الأغراض منها ما يتعلق بالدين أو الوطن أو الطبيعة، ومما يتعلق بالدين نشيد عن الهجرة النبوية، وآخر عن المولد النبوي الشريف. وأناشيد تُنْشَدُ أثناء أداء النشاط الرياضي. وهذا تفصيل للأناشيد الوارد ذكرها في الرائد بحسب الشعراء الذين كتبوها:

أولا - الأستاذ عبدالعظيم بدوي وله:
-1 العصفور السجين، وفازت بالمركز الأول.
-2 نشيد العلم، وفازت بالمركز الثاني مكرر.
-3 أغنية الصياد، وفازت بالمركز الرابع مكرر.
-4 نشيد القرآن الكريم، وفازت بالمركز الرابع مكرر
-5 نداء البادية، وفازت بالمركز السادس مكرر.
-6 أبطال الصحراء، وفازت بالمركز السادس مكرر.
-7 أنشودة الصباح، وفازت بالمركز الحادي عشر مكرر.
-8 نشيد الكويت، وفازت بالمركز الخامس عشر مكرر.
-9 معهدي، وفازت بالمركز الخامس عشر مكرر.

ثانيا: الأستاذ أحمد عنبر، وله:
-1 عروس الخليج، وفازت بالمركز الثاني مكرر.
-2 الملاح يتحدث، وفازت بالمركز الخامس عشر مكرر.
-3 نشيد الفتوة، وفازت بالمركز الثالث والعشرين.

ثالثا: الأستاذ عبدالقادر يوسف، وله:
-1 من أناشيد الملاحين، وفازت بالمركز السادس مكرر.
-2 تحية الأمير، وفازت بالمركز الثامن مكرر.
-3 صحراء العرب، وفازت بالمركز الحادي عشر مكرر.
-4 أنشودة الراعي، وفازت بالمركز الحادي عشر مكرر.
-5 نشيد رياضي بعد التمارين، وفازت بالمركز الرابع عشر.
-6 نحن العرب، وفازت بالمركز الخامس عشر مكرر.
-7 نشيد الهجرة، وفازت بالمركز الخامس عشر مكرر.
-8 البكور، وفازت بالمركز العشرين.
-9 نشيدُ ما قبل التمارين الرياضية، وفازت بالمركز الحادي والعشرين.
-10 المولد النبوي، وفازت بالمركز الرابع والعشرين.
ومن هنا نرى أن كلا من الأستاذين عبدالعظيم بدوي، وعبدالقادر يوسف قد فازا بنصيب الأسد فإن لهما تسعة عشر نشيدا فائزا أما ما بقي من الأناشيد فهي: ما أجمل الخليج وفازت بالمركز الثامن مكرر وهي للأستاذة دعد الكيالي. ونشيدة عنوانها: نشيد الربيع للأستاذ محمود شوقي الأيوبي.
يضاف إلى ذلك الأناشيد الثلاثة التي كتبها الأستاذ أحمد عنبر فيتم العدد 24 نشيداً.
ولقد حرص الإعلان المنشور في مجلة الرائد عن نتيجة المسابقة على تنبيه الفائزين إلى بعض الملاحظات، فقد جاء فيه أنه قد تقرر منح الفائزين جميعا جوائز مالية، وبموجب ذلك فان هذه الأناشيد سوف تكون ملكا خاصا لدائرة معارف الكويت، وسوف تقوم بطبعها وتلحينها ثم تعميمها على المدارس، وقد شكلت الدائرة المختصة لجنة أشرفت على مراجعة القصائد المشتركة في المسابقة وأقرت الفائزين وحددت ترتيب الأناشيد المختارة، وكان أعضاء هذه اللجنة الاستاذ أحمد مشاري العدواني، وكان وقتذاك من مدرسي المدرسة القبلية للبنين، وهي مدرسة من المدارس التي أزيلت وكان مقرها في فريج الصيهد المسمى الآن: الصالحية.
٭٭٭
سارعت دائرة معارف الكويت إلى طبع الأناشيد التي أوردنا ذكرها في كتيب صغير صدر في السنة الدراسية 1952م - 1953م، وهو يتألف من ست وأربعين صفحة، وقد طبع في مطبعة الكشاف في لبنان، وهي مطبعة كان يتعامل معها عدد من أصحاب المجلات الكويتية في ذلك الوقت، ومنها مجلة الرائد التي نشرت الإعلان المشار إليه.
ويبدو أن هذه الأناشيد قد ولدت ميتة لأننا لم نسمعها على ألسنة الطلاب، ولم ننصت إلى ألحانها، وهي منذ أن ظهرت إلى الوجود مختفية عن الأنظار والاسماع وقد نسيها الجميع. لأن ما حدث - كما قلنا - من قبل أمر غير طبيعي فالنشيد الذي كان يطربنا وقد قَدَّمنا نماذج له نقلا عن الشاعر إبراهيم طوقان لم يكن ناتجا عن مسابقة، ولكنه كان نشيدا معبرا عن ذات الشاعر، وعن أحاسيسه الحقيقية تجاه وطنه. ولذا فقد حل مباشرة في نفوس العرب جميعا، ولا يزال هؤلاء يذكرونه إلى يومنا هذا. أما أناشيد المسابقة فقد كانت أناشيد مصطنعة، يغلب عليها التكلف، ويكفي أننا نشعر أنها كتبت نيابة عن أبناء الكويت، ولم تخرج من ذواتهم، ولهذا السبب فإنهم لم يتجاوبوا معها. ونحن اليوم إذا قرأنا هذه الأناشيد في الكتاب المذكور فسوف نجد فيها أساليب لا تتناسب مع الأجواء المدرسية العامة ولا مع أسنان الطلاب. وعلى الرغم من أن الدائرة قد قدمت للكتيب بمقدمة ذكرت فيها أهدافها من إقامة المسابقة وبينت كيف يمكن أن توزع الأناشيد على الصفوف المدرسية إلا أن هذا لم يغن شيئا. وقبل أن نقدم نماذج على صحة ما نقول فإننا نعرض المقدمة كما جاءت:
«للأناشيد المنغمة، إذا عبرت عن بيئة الأطفال، ونحدثت عن اتجاهاتهم، آثار قوية في تهذيب العواطف والاحاسيس. وليس احب إلى نفوسهم من نشيد جماعي تلتقي في نغماته عناصر الجمال: من موسيقى تهز القلوب وأسلوب جميل مستساغ، ومعنى يكشف عن حقيقة من الحقائق التي يتطلعون إليها في بيئتهم، وتتصل بحيواتهم.
وقد كان المدرسون في الكويت إلى عهد قريب، يلتمسون تحقيق هذه الاهداف فيما يجدون من أناشيد منقولة عن الأقطار الأخرى، وربما تضطرهم الحاجة إلى اختيار ما يند عن الادراك، ويبعد عن البيئة ويترجم عن أشياء لا تستجيب لها العواطف؛ فيلقى التلميذ في سبيل الفهم ما يفسد في نفسه وحسه مزية الاستمتاع باللحن الجميل والمعنى البديع.
أدركت المعارف هذا، وأحست حاجة تلاميذها إلى مدد من الاناشيد يجدون فيه لذة ومتعة لما يشتمل عليه من الموضوع الشائق، والمعنى القريب، والاسلوب الملائم. فأعلنت في بداية العام الدراسي عن حاجتها إلى طائفة من القطع الشعرية، ورسمت للشعراء الحدود التي فيها ينظمون. فلبى عدد منهم رغبة المعارف، وتقدموا بأناشيدهم مسهمين في هذا العمل التربوي الجليل، فاختارت المعارف بعد فحص وتمحيص ما رأته ملائماً. وها هي ذي تقدمه إلى المدرسين مؤملة ان يجدوا فيه الغناء والوفاء بالغرض.
وقد رأت مع هذا أن تعين المدرس على اختيار المناسب من هذه الاناشيد للتلاميذ في المراحل المختلفة؛ فقسمتها أقساماً، ولكنها حين فعلت ذلك لم تجد من بين هذه الاقسام ما يصلح للفرقتين الاولى والثانية بالرياض. فاكتفت بتوزيعها بين الفرق الباقية على النحو الآتي:
أ – القسم الأول منها للثالثة بالرياض والأولى الابتدائية.
ب – والقسم الثاني للثانية الابتدائية.
ج - والثالث للفرقتين الثالثة والرابعة الابتدائيتين.
د – أما الرابع فهو الأناشيد العامة التي يؤديها التلاميذ في المناسبات وليست خاصة بفرقة دون فرقة.
وحتى لا يطول بنا الحديث في هذا الموضوع فإننا نختار ما ورد ضمن البند (أ) في المقدمة، وهو الخاص بالسنة الثالثة من الرياض والأولى الابتدائية، علما بأن السنة الثالثة من الرياض - في ذلك الوقت تمثل السنة الثالثة الابتدائية، والسنة الأولى الابتدائية القديمة هي السنة الرابعة في يومنا هذا.
تتكون المجموعة الأولى من سبعة أناشيد، أولها النشيد الذي كتبه الشاعر عبدالعظيم بدوي، وهو – آنذاك - مدرس في المدرسة المباركية، وكنا قد قدمنا عنه مقالاً من مقالات «الأزمنة والأمكنة» وتحدثنا عنه وعن شعره بما فيه الكفاية، ولكننا نذكر هنا أنه كان جيد الشعر وأنه عمل في دائرة المعارف مدة طويلة وشارك في تأليف بعض الكتب المدرسية. وأنشودته التي نتحدث عنها هنا هي «أغنية الصياد» الفائزة بالمركز الرابع (مكرر) ضمن المسابقة، ونصها:

يا زورقي يا حبيب
ترعاك عين الإله
الليل ساج طروب
والموج رقت خطاه
والرزق مني قريب
يا زورقي يا حبيب
أسعى هنا وصغاري
في كوخهم نائمون
وأمهم في انتظاري
تدعو بقلب حنون
تدعو ونعم المجيب
يا زورقي يا حبيب

ولأول وهلة فإننا نستطيع أن نقول إن هذه الأبيات لا تصلح نشيداً للمرحلة الدراسية التي أشرنا إليها كما أنها مفككة، وكان الشاعر يريد أن ينتهي منها بسرعة لكي يقدمها للجنة المسابقة، وفيها ملاحظتان هما قوله: «تدعو ونعم المجيب، فإنه كان ينبغي أن يقول تدعو الله ونعم المجيب» ولكنه لم يذكر لفظ الجلالة حفاظاً على الوزن. والملاحظة الثانية قوله: «في كوخهم نائمون» ولا نعرف في الكويت صيادا يعيش هو وأولاده في كوخ إلا إذا كان ذلك الصياد منفرداً في منطقة بعيدة مثل كاظمة لأن هذه المنطقة ليست بها مبان تسكن.
نذكر هذا دون أن ننسى أن الشاعر عبدالعظيم بدوي له قصائد جميلة في موضوعات مختلفة، ولا تغض هذه الملاحظات من قيمته الفنية.
والأنشودة الثانية والثالثة في الكتيب للأستاذ أحمد عنبر، أولاهما هي: نشيد «عروس الخليج»، والثانية نشيد «الملاح يتحدث». والأنشودتان جميلتان من حيث الصياغة، ومن حيث قربهما إلى نفوس وعقول الطلاب ولكننا نظن أن تلحينهما لم يتم، ولذا لم يتسن للمدارس إنشادهما كما كان متوقعاً. مطلع الأولى هو:

عروس الخليج، ومهد اللآلي
وأرض الجدود، ودار المعالي
وقفت حياتي، عليك ومالي
فأنت غرامي، وفيك مقامي، طوال السنين
وهي من ثلاث فقرات من هذا النوع.
أما مطلع الأنشودة الثانية وقد كانت بعنوان «الملاح يتحدث» فهو:
إني أنا البحار
لي رفقة أحرار
نسري مع التيار
في الشرق والغرب

وهي ايضا من ثلاث فقرات. وقد وجدناه فيها يتحدث عن البحار وصحبه وهم في زورق يسير بهم في وسط البحر طلبا للرزق. ونحن نظن أنه إنما يريد بالزورق (البوم) الكويتي الشهير الذي يسري مع التيار في الشرق والغرب. أما الزورق فهو لا يصلح إلا لصيد السمك في الأماكن القريبة من الساحل.
٭٭٭
ما بقي من الأناشيد الفائزة في المسابقة والواردة في الكتيب المشار إليه تكاد تكون متطابقة مع ما وجدناه عن الشاعرين عبدالعظيم بدوي وأحمد عنبر، ولقد كان أحمد عنبر أقرب من غيره إلى البيئة لأنه أقام في الكويت فترة طويلة الى ان نال الجنسية الكويتية، وقد كتبنا عنه فيما مضى من مقالات «الأزمنة والأمكنة».
هذه ذكريات عن أطوار الأناشيد التي كانت سائدة في مدارس الكويت منذ أربعينيات القرن الماضي. أما أناشيد اليوم فهي في حالة يرثى لها.


التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
79.9848
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top