الأربعاء
15/04/1447 هـ
الموافق
08/10/2025 م
الساعة
10:34
إجعل kuwait.tt صفحتك الرئيسية
توقيت الصلاة
الظهر 11:36
الصفحة الرئيسية
إغـلاق الوطـن
محــليــات
مجلس الأمة
الجيل الجديد
أخبار مصر
أمن ومحاكم
الاقتصاد
خارجيات
الرياضة
مقالات
فنون
المرأة
منوعات
الوفيات
اتصل بنا
منوعات
A
A
A
A
A
http://alwatan.kuwait.tt/articledetails.aspx?id=212368&yearquarter=20123&utm_source=website_desktop&utm_medium=copy&utm_campaign=articleshare
X
التجديد مطلب زمني يفرضه الربيع العربي عشرية التجديد توجبها علينا زكاة زروع الدعوة (7 – 10)
مغالطات العصرانيين في التشكيك بالدين
الشيخ الدكتور جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين
2012/08/04
05:33 م
شكرا لتصويت
التقيم
التقيم الحالي 0/5
يقول ابن تيمية: «ان جميع أقوال النبي صلى الله عليه وسلم يستفاد منها شرع.. ويدخل في ذلك ما دل عليه من المنافع في الطب»
يقول العلامة أبو الأعلى المودودي: «إذا قرر الجيل الحاضر أن يعرض عن كل ما أنجزته الأجيال الماضية من عمل وجهد، فإن للأجيال الآتية أن تتخذ قراراً سفيها مثل هذا»
إن الفقهاء الأوائل بشر ما في ذلك شك لكن لا يعني ذلك ان ما قالوه فهو خطأ يجب طرحه، أولسنا بشراً أيضاً فما الذي يجعل لنا فضلاً عليهم؟
لم يجد الفقهاء صعوبة تذكر في تقرير ان المصلحة التي لم يأت بها نص أصلاً يمكن ان تتغير وتصبح في حين من الأحيان مفسدة، أو ان العرف الذي لم يتكون اثر نص شرعي يمكن ان يتغير!!
شذوذات العلماء السابقين ما ينبغي ان تتخذ سلماً لتثبيت آراء العصرانيين مثل قول الطوفي ان المصلحة أقوى مصادر التشريع بل هي أقوى من النص والاجماع!! وذلك عند شرحه لحديث «لا ضرر ولا ضرار»
الأحاديث النبوية والطب:
يشرح المستشرق موريس بوكاي هذه الحجة كالآتي:
هناك بعض الأحاديث غير المقبولة علمياً في مواضيع الطب والمعالجة، ومع ان هذه الأحاديث صحيحة؟ الا ان الحديث قد يكون صحيحاً لا شك فيه، ولكنه قد يكون متعلقاً بشأن من شؤون الدنيا مما لا وحي فيه، وعندئذ لا فرق في ذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره من البشر لحديث «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، وهذه الأحاديث المتعلقة بموضوعات طبية، تعطينا صورة عن مفاهيم ذلك العصر وآرائهم في مثل هذه المواضيع الطبية.
وللتدليل على رأيه سرّد عدداً من الأحاديث المتعلقة بالطب والتي يرى أنها لا تتفق مع حقائق العلم الحديث، وفيما يلي نقوم بتصنيف هذه الأحاديث التي ذكرها، وننظر هل صحيح أنها لا تتفق مع حقائق العلم الحديث؟ وهل صحيح ما استنتجه من أنها ناشئة عن الخبرة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم فقط؟ ويمكن تصنيف هذه الأحاديث على النحو التالي:
1 - الأحاديث المتعلقة بالعين والسحر، ولا أدري ما الحقيقة العلمية التي تناقض هذه الأحاديث؟ ففضلاً عن ان مسائل العين والسحر لا تدخل في نطاق الطب التجريبي الغربي الحديث، فان القرآن قد أثبت أيضاً السحر والعين، ولا يوجد دليل علمي واحد ينفي وجودهما، فكيف ينكر أمر تضافر على اثباته القرآن والسنة اعتماداً على تصور مادي بحت لا يقوم الا على الظن.
2 -الأحاديث التي أشارت لبعض الخواص الطبية العلاجية لبعض الثمار مثل التمر أو الحبوب مثل الحبة السوداء، أو بعض الأغذية مثل لبن الناقة، ومن العجيب ان يستريب أحد فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من وجود خصائص علاجية في هذه المواد، والا فمن أين تستخرج الأدوية قديماً وحديثاً، ألا تستخرج من مثل هذه المواد؟.
3 - الحديث الذي أخبر عن استخدام بول الابل كدواء، ومن الثابت طبياً ان هناك أدوية فعالة جداً تستخرج الآن من البول، وقد بدأت الدراسات الحديثة تتسع في هذا المضمار.
4 - الأحاديث التي تشير الى ان من أصول العلاج ثلاث: الكي والأشربة والجراحة (شرط محجم) فهل تغيرت طرق العلاج هذه، أم كل ما هناك أنه قد أصبحت وسائل متقدمة لاستخدامها، كما أنه ينبغي ألا نحصر غيره في كيفية معينة، فالحديث لم يتعرض لهذه الكيفية، إنما أشار فقط لأصول طرق العلاج.
5 - الحديث الذي يشير الى ان الذباب ينقل في بعض أجزاء جسمه سموماً وأن في بعض أجزاء جسمه الأخرى مضادات لتلك السموم، وكل ما يمكن ان يقال من الناحية الطبية ان العلم لم يكتشف ذلك حتى الآن مع وجود بعض الدراسات التي تفيد ذلك، ولكن هل يستطيع أحد ان يجزم بنفي امكان اكتشاف ذلك مستقبلاً.
6 - الحديث الذي يشير الى ان الحمى من فيح جهنم وينصح بابرادها بالماء، فهذا واضح باستعمال الضمادات المثلجة لانزال حرارة الحمى هو من طرق العلاج المستخدمة الآن.
7 - الاخبار بأن هناك جنساً من الثعابين يسبب العمى ويسقط الحمل، وهذا النوع من الثعابين نوع معروف حتى الآن وموجود ومشهور ويعرف باسم الكوبرا، ومن المعروف عنه أنه يصوب سمه الى عين فريسته ليعميها، أما اسقاط الحمل، فقد يكون بسبب الفزع من رؤيته أو بسبب سمه اذا لدغ.
وهكذا فالنظر في الأحاديث التي ساقها موريس بوكاي نخلص الى أنه ليس فيها حديث واحد يخالف حقائق العلم الحديث، وفي حقيقة الأمر لا يستطيع أحد ان يعثر على حديث من هذا النوع، انما الذي يوقع في الالتباس ويوهم ان هناك تناقضاً، اما سوء فهم الحديث أو الجهل بعلم الحديث، ولهذا فان الطريقة المثلى اذا وقع في نفس المرء التباس من هذا النوع، ان يتثبت من صحة الحديث ويراجع شروحه ويستوثق من فهم الحديث على وجهه الصحيح، ويسأل في المسائل العلمية جهات الاختصاص ولا يسارع الى الارتكاز ورد الأحاديث، ففضلاً عن ان ذلك ليس منهجاً علمياً صحيحاً، فهو ليس سبيل الذين رسخ الايمان في قلوبهم.
ويحسن التنويه هنا بأمرين:
أولهما: ان مثل هذه الاعتراضات لم تظهر في عصرنا هذا فحسب ولكنها ظهرت في العصور الماضية، ولم تكن تصدر الا ممن عرف عنهم انحراف في التفكير، فهذا ابن قتيبة مثلاً من علماء القرن الثالث الهجري يؤلف كتاباً في الرد على مثل هذه الاعتراضات وسمى كتابه: كتاب تأويل مختلف الحديث، في الرد على أعداء أهل الحديث والجمع بين الأخبار التي ادعوا عليها التناقض والاختلاف، والجواب عما أوردوه من الشبه على بعض الأخبار المتشابهة أو المشكلة باديء الرأي».
وثانيهما: ان من بعض ما ظن الناس فيه تناقضاً مع ما عندهم من المعرفة في عصرهم، قد ظهر خطؤه في هذا العصر، مع تقدم العلم، ومن ذلك الأمر بغسل الاناء الذي ولغ فيه الكلب.
وقد نقل الخطابي من علماء القرن الرابع الهجري اعتراضاً على أحد الأحاديث فقال: «اعترض بعض سخفاء الأطباء على حديث ابراد الحمى بالماء بأن قال: اغتسال المحموم بالماء خطر يقربه من الهلاك، لأنه يجمع المسام ويحقن البخار، ويعكس الحرارة الى داخل الجسم، فيكون ذلك سبباً للتلف».ثم رد الخطابي على ذلك بأن قال:» وانما أوقعه في ذلك جهله بمعنى الحديث، والجواب ان هذا الاشكال صدر عن مرتاب في صدق الخبر، فيقال له أولاً: من أين حملت الأمر على الاغتسال وليس في الحديث الصحيح بيان الكيفية»...الى ان قال:» وانما قصد صلى الله عليه وسلم استعمال الماء على وجه ينفع، فليبحث عن ذلك الوجه ليحصل الانتفاع به»(1).
- الحجة الخامسة: تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة وبالامامة والقضاء: قسم الامام القرافي تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم الى أنواع، تصرفات: 1 - بوصفه رسولاً، 2 -وبوصفه مفتياً، 3 - وبوصفه اماماً، (رأس دولة)(2)، وقد ذهب من احتج بهذا التقسيم الى ان تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في القضاء والامامة ليست من السنة التشريعية الملزمة(3).
واذا تمعنا في هذا الذي ذكره الامام القرافي يتضح ان المقصود من تقسيم تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم الى تصرفات بالرسالة وبالقضاء وبالامامة، هو التفرقة بين الأمور بالسلطة القضائية والتي لا يجوز لعامة الأفراد ممارستها، الا بعد حكم قضائي واذن، وبين الأمور التي ترك للناس الحرية في التصرف فيها دون حاجة الى اذن من السلطات.
فالمقصود من كلام القرافي البحث عن ذلك في تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بياناً للاختصاصات، وتوزيعات للسلطات وحصراً لما يدخل تحت اختصاص كل سلطة من سلطات الدولة.
ولا يفهم من كلام القرافي بحال ان تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في قسم الامامة والقضاء ليست تشريعية، بل ان صفة الرسالة وهي الوظيفة التشريعية، لا تفارق الرسول صلى الله عليه وسلم حتى حين يتصرف باعتباره رأس دولة أو حين ترفع اليه الخصومات ويقضي فيها بوصفه قاضياً، فهو حين يقسم الغنائم، أوحين يقيم الحدود، أو حين يعلن الحرب وكل ذلك من تصرفات الامام (رأس الدولة)، فتشريعه في هذه الأمور تشريع لازم لكل امام بعده وكذلك أحكامه القضائية.
السنة تشريع كلها:
والخلاصة ان السنة تشريع كلها ما كان منها أقوالاً وأفعالاً، يقول ابن تيمية: «ان جميع أقواله يستفاد منها شرع...ويدخل في ذلك ما دل عليه من المنافع في الطب»(4).
وقد روي ان عبدالله بن عمر كان يكتب ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فقال له بعض الناس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في الغضب فلا تكتب كل ما تسمع، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج من بينهما الا حق – يعني شفتيه الكريمتين»(5).
أما الأفعال فأيضاً كلها تشريع، الا تلك الأفعال الجبلية التي لا يدخل في طوع بشر اختيار كيفيتها وهيئتها.
شريعة الله وشريعة الفقهاء!!
يقول الدكتور كمال أبو المجد: «اننا نؤكد ضرورة التمييز بين الشرعة والفقه، فالشريعة هي الجزء الثابت من أحكام الاسلام، الثابت في النصوص الجبلية في ورودها ودلالتها، والفقه تفسير الرجال لهذا الجزء الثابت المستمد مباشرة من النصوص القطعية وقياساتهم عليه، واجتهاداتهم فيما لا نص فيه وترجيحهم بين ما تعارضه من الأدلة، وهو اجتهاد بشر يتفقون ويختلفون وقلما يجتمعون، وخطؤهم وصوابهم ليس تشريعاً، ولكنه يعكس خط كل واحد منهم من المعرفة بالوقائع ومصادر الأحكام، وقواعد التفسير وأصول الترجيح كما يعكس ظروف الزمان والمكان...ويعكس بعد ذلك رأيه ورؤيته للقيم والمصالح والاعتبارات..وهو في ذلك كله يرمز الى الجزء المتغير من تراث الاسلام..وباطل قول من قال ان الأول لم يترك للآخر شيئاً..فقد ترك له عالماً كاملاً غير عالمه ودنيا غير دنياه..وتجربة جديدة لا تغني عنها تجربة قديمة، فتلك أمة قد خلت «ولا تسألون عما كانوا يعملون»(6).
بيان وتوضيح:
أما ان الشريعة فتشتمل على نصوص منزلة من عند الله تعالى وعلى تفسير الرجال لتلك النصوص واجتهادهم فيما لا نص فيه فذلك حق لا مراء فيه، أما وصف فقه الرجال بالتغير وعدم الثبات فهو الموضع الذي يحتاج الى فحص وتأمل، ذلك ان كلمة التغير كلمة تحتمل معاني متعددة، فمن الخطأ البيِّن ان يقصد منها اطراح فقه العصور الماضية، والبدء في تدوين فقه عصري جديد.
يقول العلامة أبو الأعلى المودودي: «واذا قرر الجيل الحاضر ان يعرض عن كل ما أنجزته الأجيال الماضية من عمل وجهد، وأن يؤسس له بناء جديداً، على قواعد جديدة، فان للأجيال الآتية بعده ان تتخذ قراراً سفيها مثل هذا، ولذا فان شعباً لم يفارقه العقل لا يبيد الجهود والأعمال التي تمت على أيدي أسلافه وانما يتقدم الى الأمام مضيفاً الى الأعمال السابقة أعمالاً جديدة لم يتح للأولين أو يقوموا بها، وهكذا لايزال يتقدم بخطى حثيثة في ميدان الكمال والارتقاء»(7).
ان الفقهاء الأوائل بشر ما في ذلك شك لا يعني ذلك ان ما قالوه فهو خطأ يجب اطراحه، أو لسنا أيضاً بشراً فما الذي يجعل لنا فضلاً عليهم؟ ان فقه الأولين فيه الخطأ والصواب وكل ذي عقل يرى ان ما كان صواباً قبلناه وما كان خطأ طرحناه.
فالأفضل منه ان يجعل ذلك التقسيم أكثر تفصيلاً، حتى يكون أكثر بياناً ووضوحاً.
وقد قسم الامام ابن تيمية الشريعة ثلاثة أقسام: شريعة منزلة وهي القرآن والسنة، وشريعة اجتهادية وهي ما توصل اليها عن طريق الاجتهاد، وشريعة محرمة وهي التي يظن أنها من الشرع وهي محض انحرافات، فالشريعة تتعدد الآراء فيها في المسألة الواحدة ونقبل ونرفض منها بحسب الأدلة، أما الانحرافات والتحريفات فمرفوضة كلها.
من المعروف ان أحكام الشريعة تنقسم الى قسمين رئيسين: أحكام مصدرها نصوص القرآن والسنة مباشرة، وأحكام مصدرها الاجتهاد دون ان تستند مباشرة على النصوص مثل ان تكون مبنية على مصلحة سكتت عنها النصوص أو عرف أو عادة لم ينشئها نص شرعي.
ولا يختلف اثنان ان الأحكام في كلا القسمين انما ترمي الى تحقيق مصالح الناس ومراعاة منافعهم، ومما لا ريب فيه ان بعض هذه المصالح والمنافع يتبدل ويتغير بتغير الزمان والمكان، أو لأي عامل من العوامل التي تؤثر في تغير المصالح.
ففي القسم الثاني من الأحكام الذي لم يكن مصدره النص مباشرةً، لم يجد الفقهاء صعوبة تذكر في تقرير ان المصلحة التي لم يأت بها نص أصلاً يمكن ان تتغير وتصبح في حين من الأحيان مفسدة، أو ان العرف والعادة الذي لم يتكون اثر نص شرعي أصلاً، يمكن ان يتبدل ويتغير، وحينئذ قرروا بلا تحفظ ان الأحكام في هذا القسم تتغير بتغير الزمان، لأن الأصل الذي تبنى عليه أصل متغير، وتغيره سواء كان مصلحة أو عرفاً متصورا عقلاً وواقع ملموس.
أما القسم الثاني من الأحكام التي تقررها النصوص مباشرة، فكل أحد يقر ان النص مقصود منه تحقيق المصلحة للناس ومقصود منه منفعتهم، فغاية النص وهدف النص وحكمة النص هي المصلحة، حينئذ لم يستطع ذهن الفقهاء ان يتصور ان هذه المصلحة التي يثبتها النص يمكن ان تتغير وتصبح في زمن من الأزمان مفسدة.
ذلك ان من المتفق عليه ان المصلحة ليست تابعة للهوى أو المزاج الشخصي، وأن المصالح التي تقررها النصوص هي المصالح حقيقة، وأن من التناقض الواضح ان يقال ان مصلحة ما عارضت النص، فالنص هو عدل كله ورحمة كله وحكمة كله ومصلحة كله، فأيّ مصلحة تلك التي تعارض النص، حينئذ قرر الفقهاء ان الحكم الذي مصدره النص حكم ثابت الى يوم الدين لا يتغير بتغير الزمان.
يقول الامام ابن حزم مؤكداً هذه الحقيقة: «اذا ورد النص من القرآن أو السنة الثابتة في أمر ما على حكم ما..فصح أنه لا معنى لتبدل الزمان ولا لتبدل المكان ولا لتغير الأحوال، وأن ما ثبت فهو ثابت أبداً، في كل زمان وفي كل مكان وعلى كل حال، حتى يأتي نص ينقله عن حكمه في زمان آخر أو مكان آخر أو حال أخرى»(8).
وعلى هذا فان القاعدة الفقهية «لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان» قد وضعها الفقهاء للقسم الثاني من الأحكام، وهي الأحكام التي لا تستند مباشرة على نص شرعي، بل مصدرها عرف أو مصلحة سكتت عنها النصوص، وهذه القاعدة هي احدى قواعد المجلة وقررتها المادة 39، وقد جاء شرح هذه القاعدة بقصرها على الأحكام التي لم تستنبط من النصوص(9)، وعلى هذا استقر فهم الفقهاء بقول الدكتور مصطفى الزرقا في بحثه لهذا الموضوع: «من المقرر في فقه الشريعة ان لتغير الأوضاع والأحوال الزمنية تأثيراً كبيراً في كثير من الأحكام الشرعية الاجتهادية، وعلى هذا الأساس أسست القاعدة الفقهية القائلة (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان).
وقد اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على ان الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان واختلاف الناس هي الأحكام الاجتهادية من قياسية ومصلحية وهي المعنية بالقاعدة الآنفة الذكر، أما الأحكام الأساسية التي جاءت الشريعة لتأسيسها وتوطيدها بنصوصها الأصلية فهذه لا تتبدل بتبدل الأزمان بل هي الأصول التي جاءت بها الشريعة لاصلاح الأزمان والأجيال»(10).
أثر العرف في تغير الأحكام: ويزيد الامام الشاطبي الأمر بياناً في توضيح مسألة تأثير العرف في تغير الأحكام، فيبين ان العادات والأعراف المتبدلة هي الأعراف التي لم تنشئها الشريعة أصلاً، ولم تتعرض لها اطلاقاً لا بمدح ولا ذم، انما أنشأها الناس بأنفسهم نتيجة العلاقات الاجتماعية بينهم، فهذه هي التي يؤثر تغيرها في أحكامها الشرعية فيتغير حكمها تبعاً لتغيرها، وضرب بعض الأمثلة على ذلك منها على سبيل المثال العبارات التي يكون لها تأثير في انشاء أو انهاء عقود المعاملات المالية، مثل البيع أو ألفاظ الطلاق، فهذه يراعى فيها العبارات التي يعتادها الناس والاصطلاحات التي يستعملونها في كل عصر.
ومن الأمثلة أيضاً للعوائد التي تتغير ويكون لها تأثير العادات الخاصة بالزواج مثلاً، فهذه قد تختلف من عصر الى عصر، أو من بلد الى بلد، فاذا كانت العادة مثلاً ان يدفع المهر كاملاً قبل الزواج، أو الهدايا التي تدفع للعروس تكون من ضمن المهر، فلهذه العادات تأثير في الأحكام الشرعية.
أما العادات والأعراف التي تنشئها الشريعة وتعتبرها من المحاسن أو تذمها وتعدها من القبائح، فهذه لا تتبدل ولا تتغير بل هي ثابتة، وفيما يلي عبارة الامام الشاطبي التي شرح فيها هذه القضية(11): «وظل هذا الأمر حتى نشرت مجلة المنار في أوائل هذا القرن رأياً مهجوراً لأحد فقهاء القرن السابع الهجري وهو نجم الدين الطوفي، فمن هو الطوفي هذا؟ وما رأيه الذي شذ به عن بقية الفقهاء؟
تذكر المصادر التي ترجمت لحياة الطوفي أنه كان من الفقهاء الحنابلة، وتصفه بالعلم والصلاح والفضل، وتتفق على ان رأيه في المصلحة رأي شاذ، لم يعرف قبله ولم يتابعه فيه أحد بعده الا بعض المعاصرين(12)، وقد يكون الشذوذ وحده ليس عيباً وان كان في الغالب دليل الخطأ، فهل كان رأي الطوفي في المصلحة مع كل تلك الظلال القاتمة في حياته ومع ذلك الشذوذ رأياً صائباً أم كان رأياً لا وزن له؟ أوضح الطوفي رأيه في المصلحة في ثنايا شرحه لأحد الأحاديث الأربعينية وهو حديث لا ضرر ولا ضرار، خلاصة رأيه ان المصلحة أقوى مصادر التشريع، بل هي أقوى من النص والاجماع، وأنه في غير دائرة العبادات والمقدرات فان المصلحة تقوم على النص والاجماع اذا عارضتهما.
يقول: «واعلم ان هذه الطريقة التي ذكرناها مستفيدين لها من الحديث المذكور –حديث لا ضرر ولا ضرار- ليست هي القول بالمصالح على ما ذهب اليه مالك، بل هي أبلغ من ذلك، وهي التعويل على النصوص والاجماع في العبادات والمقدرات، وعلى اعتبار المصالح في المعاملات وباقي الأحكام..فالمصلحة وباقي أدلة الشرع اما ان يتفقا أو يختلفا، فان اتفقا فبها ونعمت، وان اختلفا وتعذر الجمع بينهما قدمت المصلحة على غيرها.. وانما اعتبرنا المصلحة في المعاملات ونحوها دون العبادات وشبهها، لأن العبادات حق للشرع خاص به، ولا يمكن معرفة حقه كماً وكيفاً وزماناً ومكاناً الا من جهته، فيأتي به العبد على ما رسم له..وهذا بخلاف حقوق المكلفين فان أحكامها سياسية شرعية، وضعت لمصالحهم فكانت هي المعتبرة وعلى تحصيلها المعول..ولا يقال ان الشرع أعلم بمصالحهم فلتؤخذ من أدلته، لأننا قد قررنا ان رعاية المصلحة من أدلة الشرع وهي أقواها وأخصها فلنقدمها في تحصيل المنافع»(13).
ومن الملاحظ ان الطوفي لم يأت بمثال واحد يرينا فيه كيف ان المصلحة عارضت النص وكيف تقدم عليها، حتى نستيقن مما يقول، وما ذلك الا أنه لم يجد مطلقاً بعد طول الاستقراء والبحث حالة واحدة تعارض فيها المصلحة النص لأن ذلك التعارض أمر متوهم.
ولضعف أدلة الطوفي حمل عليه كثير من المعاصرين حملة قوية، فيقول الشيخ أبو زهرة عن رأيه أنه: «رأي شاذ بين علماء الجماعة الاسلامية» ويقول: «...ان مهاجمته للنصوص ونشر فكرة نسخها أو تخصيصها بالمصالح هي أسلوب شيعي، أريد به تهوين القدسية التي تعطيها الجماعة الاسلامية لنصوص الشارع، والشيعة الامامية يرون ان باب النسخ والتخصيص لم يغلق لأن الشارع الحكيم جاء بشرعه لمصالح الناس في الدنيا والآخرة، أدرى الناس بذلك الامام فله ان يخصص كما خصص النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وصي أوصيائه، وقد أتى الطوفي بالفكرة كلها وان لم يذكر كلمة الامام ليروج القول وتنتشر الفكرة»(14).
ويقول الشيخ عبدالوهاب خلاف: «..وان الطوفي الذي يحتج بالمصلحة المرسلة اطلاقاً فيما لا نص فيه وفيما فيه نص فتح باباً للقضاء على النصوص وجعل حكم النص أو الاجماع عرضة للنسخ بالرأي، لأن اعتبار المصلحة ما هو الا مجرد رأي وتقدير، وربما قدر العقل مصلحة بالرؤية والبحث يقدرها مفسدة، فتعريض النصوص لنسخ أحكامها بالآراء وتقدير العقول خطر على الشرائع الالهية وعلى كل القوانين».
شذوذ بعض المعاصرين: ومع وضوح خطأ الطوفي فقد تمسك برأيه بعض المعاصرين وألبسوا به العلمانية ثوباً اسلامياً، فجعلوا العبادات وحدها هي الثابتة في الاسلام التي يلتزم فيها بالنصوص، أما في غير دائرة العبادات فالباب مفتوح على مصراعيه لتعديل النصوص وتغييرها، وحذفها واضافة غيرها، يقول الدكتور النويهي في مقالة بعنوان «نحو ثورة الفكر الديني»(15).
«ان كل التشريعات التي تخص أمور المعاش الدنيوي والعلاقات الاجتماعية بين الناس والتي يحتويها القرآن والسنة، لم يقصد بها الدوام وعدم التغير ولم تكن الا حلولاً مؤقتة، احتاج لها المسلمون الأوائل وكانت صالحة وكافية لزمانهم، فليست بالضرورة ملزمة لنا، ومن حقنا بل من واجبنا ان ندخل عليها من الاضافة والحذف والتعديل والتغير، ما نعتقد ان تغير الأحوال يستلزمه».
ويضيف: هؤلاء المعاصرون تأييداًً لرأيهم في تغير الأحكام الثابتة بالنص تبعاً لتغير المصالح يتغير الزمان حججاً جديدة منها: اجتهادات عمر بن الخطاب، التي يرون أنه لم يتمسك فيها بالتطبيق الحرفي للنصوص ومنها استبدال الشافعي لمذهبه العراق القديم بمذهبه المصري الجديد وهذا ما سنتناوله في مقالنا القادم باذن الله.
هوامش:
1 - فتح الباري 283/12
2 - انظر كتاب الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام للإمام القرافي ص 109/86
3 - مجلة المسلم المعاصر – العدد الافتتاحي
4 - الفتاوى 18/12
5 - نفس المرجع السابق
6 - مجلة العربي – ص22 عدد 222 – مايو 1977
7 - مفاهيم إسلامية حول الدين والدولة – المودودي ص 272
8 - الأحكام في أصول الأحكام – ابن حزم ج5 / ص 771 - 774
9 - انظر شرح المجلة – محمد خالد الأتاسي 1/91
10 - مجلة المسلمون عدد 8 ص 891
11 - الموافقات 2/283
12 - انظر ضوابط المصلحة في الشريعة – السيوطي 202-206
13 - انظر بن حنبل لأبي زهرة 359
14 - نفس المرجع السابق ص 363
15 - مجلة الآداب – بيروت – عدد 9970 ص 101
أخبار ذات صلة
صور.. جلسات تدليك بالأفاعي في روسيا لراحة الإنسان
فيديو.. ملك أسبانيا يسقط على الأرض ويصاب بخدوش في أنفه وذقنه
صور.. هزيمة لاعبة الجودو السعودية في دقيقة و22 ثانية
إمام المسجد الأقصى لـ «الوطن»: الإسرائيليون اقتحموا الحرم المقدسي وشربوا الخمر وقرأوا «التلمود» في ساحاته
دراما رمضان بعيون «القصار» في «سرى الليل»
التعليقات الأخيرة
All Comments
Please enable JavaScript to view the
comments powered by Disqus.
comments powered by
Disqus
أكثر المواضيع مشاهدة
«التمييز» ترفض وقف تنفيذ إغلاق «الوطن»
فيديو - العصفور: التزمنا بالقرار الإداري لـ«الإعلام» وأدعو الجميع لمشاهدة افتتاحية قناة «المجلس»
أماني بورسلي: كنا نريد دعماً حكومياً لـ«قناة الوطن»
المحامي حسين العصفور: أيادٍ خفية تعمل من أجل إغلاق «الوطن» !
الاستئناف تلغي حكماً لمرزوق الغانم ضد قناة «الوطن»
إحنا مضربين نبي حقوقنا
المكافحة: ضبط مواطنة بحوزتها مواد مخدرة ومؤثرات عقلية
عدسات لاصقة تُفقد فتاة بصرها.. والأطباء يحذرون من كارثة صامتة
الكويت تبحث مع الأمم المتحدة جهود حماية المرأة وتعزيز التشريعات ضد العنف
إسكان المرأة تدعو المواطنات ممن لديهن طلب مسكن مؤجر من سنة 2010 وما قبل لتحديث بياناتهن
مقالات ذات صلة بالكاتب
Tweets by WatanNews
!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
270.0061
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
Top