مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

كلمة حق

الحمار رمز الفلسفة والحكمة الإنسانية

عبدالله الهدلق
2012/04/16   11:56 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image

العديد من الأحزاب السياسية في مختلف دول العالم تتخذه شعاراً لها


رفع «حزب الحمير العراقي» الستار عن نصب يرمز الى شعاره في وسط مدينة السليمانية، وهو عبارة عن تمثال نصفي لانسان يضع ربطة عنق، وله رقبة ورأس حمار، ويحمل اكثر من معنى ودلالة – كما قال امين «حزب الحمير العراقي» عمر كلول – لأنه الصديق القديم للمقاتل الكردي في جبال كردستان خلال النضال من اجل حقوق الاكراد، حيث لعب الحمار دورا بارزا في حركة التحرير الكردية، وقد تأسس «حزب الحمير» رسميا في اقليم كردستان العراق عام 2005، وله تشكيل اداري وهيكلي مثل المكتب السياسي، والمكاتب الفرعية واذاعة خاصة به.
وقد اشتهر حمار الشيخ نصر الدين الرومي «جحا» في التراث العربي، وليس هناك ما هو اشهر منه سوى «حمار الحكيم» الذي ورد ذكره في رواية توفيق الحكيم والذي كان يعبر دائما عن فلسفة توفيق الحكيم وروحه الساخرة ومن خلال الحمار استطاع «جحا» ومن ورائه الشعوب العربية ان يعبروا عن الكثير من جوانب الفلسفة والحكمة الانسانية، وقد جاءت رواية «حمار الحكيم» التي ألفها توفيق الحكيم عام 1940 مؤكدة تلك الحقيقة، فقد امتازت ببساطة اسلوبها، وتصويرها لاحداث واقعية لا تخلو من الطرافة وذلك من خلال ذكره كيف اشترى حمارا صغيرا من احد الفلاحين لمجرد انه اعجب بشكله مع ذكر المواقف الطريفة التي حدثت معه عندما اشترى ذلك الحمار الصغير واقامته في الفندق، وادخاله الحمار الى غرفته دون ان يشعر احد بذلك بعد ان دفع نقودا لأحد الخدم ليكتم سره.
وركز توفيق الحكيم في روايته على ذكر احوال الريف المصري وما فيه من الفقر وقلة الاهتمام بأمور الصحة والنظافة بأسلوب يمتاز بالبساطة واستخدام العبارات العامية المصرية ليبين طرافة المواقف التي يقع فيها، الى ان ينتهي المطاف بحمار الحكيم ينظر الى نفسه في المرآة ويشرب الحليب من الرضاعة التي تمسكها له احدى الجميلات، فيقول توفيق الحكيم: «يا له من حمار احمق شأنه شأن اكثر الفلاسفة يبحثون عن انفسهم في المرآة، ولا يعيرون الجميلات التفاتا»، وقد رافق الحمار توفيق الحكيم في كل مغامراته تقريبا، ومن هنا نشأت بينهما صداقة وألفة، وصارا صديقين حميمين، وعندما اراد ان يكتب تأملاته ومناقشاته السياسية والاجتماعية والثقافية النقدية كان لابد له من ان يختار له رفيقا يرافقه في هذه المناقشات ويحاوره، وقال توفيق الحكيم: «وقد سميته – أي الحمار – الفيلسوف لأنه دلني وعلمني اشياء كثيرة بمجرد صمته الدائم وترفعه عن صغائر الامور».
ويجب ألا ننسى ان عددا من الاحزاب السياسية في كثير من دول العالم تتخذ الحمار رمزا أو شعارا لها مثل الحزب الديموقراطي الامريكي الذي تخرج من صفوفه اشهر رؤساء امريكا، كما ان منظمة «ابوسي ديي» المسيحية الكاثوليكية السرية التي اسسها القس الاسباني «ماريا اسكريفا» في اسبانيا عام 1928 ثم انتقلت الى روما اتخذت الحمار شعارا لها، والحمار هو اكثر الحيوانات اثارة للجدل من حيث صفاته وتقييماته وشكل علاقته بالانسان مرورا بكليلة ودمنة، وحمار جحا، وحمار الحكيم، وللحمار طباع سياسية تعلم منها الانسان ما لم يتعلمه من طباع الحيوانات الاخرى كالمصابرة والجلد والمعرفة النمطية باجترار التكرار، وهو اقل الحيوانات اتلافا للبيئة وفسادا في الارض وجشعا وطفيلية.
وللحمار ادوار في الثقافات الشعبية والمعتركات السياسية، فمثلا كان آخر خلفاء بني امية يسمى بمروان الحمار، حيث اشتهر بالصبر والجلد على القتال، كما ان العرب تسمي رأس القرن بالحمار، وربما سمي الخليفة بالحمار لأنه جاء على رأس القرن الاول الهجري، وقد كتب كثير من الادباء والمفكرين عن الحمار فكتب توفيق الحكيم «انا وحماري» و«حمار الحكيم» كما كتب محمود السعدني «حمار الشرق»، الى غير ذلك من الكتابات التي تعامل اصحابها مع الحمار باعتباره كائنا يجدر احترامه، واجروا معه حوارات فلسفية تتسم بالعمق، وقد حظي الحمار في مجال السياسة بنفس ما حظي به من اهتمام وتقدير في مجال الادب.
وقد ذكر الاديب مصطفى لطفي الرافعي في كتابه «تاريخ آداب العرب» ان لقب «حمار الشعراء» أو حمار الشعر قد اطلق على «بحر الرجز»، وقال: «والرجز كثير عند العرب لسهولة الحمل عليه حتى سماه المتأخرون (حمار الشعراء). وقد ورد ذكر الحمار في القرآن الكريم في مواطن كثيرة، اما لاثبات امر عظيم هو احياء الموتى والبعث والرد على منكريه كما ورد في سورة البقرة، أو بيان ما كان عليه الانبياء والصالحون من التواضع وخفض الجناح وكان لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حمار يقال له «عفير» يركبه في الرمضاء والظلماء.

عبد الله الهدلق
aalhadlaq@alwatan.com.kw
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
306.0127
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top