الأربعاء
15/04/1447 هـ
الموافق
08/10/2025 م
الساعة
09:29
إجعل kuwait.tt صفحتك الرئيسية
توقيت الصلاة
الظهر 11:36
الصفحة الرئيسية
إغـلاق الوطـن
محــليــات
مجلس الأمة
الجيل الجديد
أخبار مصر
أمن ومحاكم
الاقتصاد
خارجيات
الرياضة
مقالات
فنون
المرأة
منوعات
الوفيات
اتصل بنا
منوعات
A
A
A
A
A
http://alwatan.kuwait.tt/articledetails.aspx?id=177505&yearquarter=20121&utm_source=website_desktop&utm_medium=copy&utm_campaign=articleshare
X
الأزمنة والأمكنة
2012/03/06
07:32 م
شكرا لتصويت
التقيم
التقيم الحالي 5/0
حدثت أحفادي عن نشأة الكويت
لم يأخذ أيُّ موضوع من الموضوعات التاريخية اهتماما من الناس صغارا وكبارا كما أخذ هذا الموضوع الذي يتردد السؤال عنه وكأنه وليد يومه، وهذا التساؤل كان يجري على الألسنة منذ مدة طويلة، ولعل مما نذكره من ذلك ما قاله عبدالعزيز الرشيد في كتابه «تاريخ الكويت» الذي أصدره في سنة 1926م. فقد أشار إلى ضرورة معرفة الوقت الذي بدأت فيه الكويت في النشوء، وذكر عدة أقوال منها ما هو معروف في وقته.
ولكن المؤرخين اللاحقين لم يتركوا الأمر دون متابعة فظهرت عدة معطيات تدل على الزمن الذي يكاد يكون حقيقيا ونهائيا لنشأة الكويت، وذلك وفق الوثيقة التي كتبها الشيخ مبارك الصباح، وهي التي جاء فيها قوله: «الكويت أرض فقراء، سكنها جدنا صباح سنة 1022هـ» وهي توافق سنة 1613م، ولقد كانت هذه الوثيقة ضمن المستندات التي أشار إليها عبدالعزيز الرشيد، ولكنه مع شديد الأسف لم يأخذ بها دون أن يُبدي الأسباب.
لدي الآن حديث كتبته لأحفادي، وأرى الآن أنه لابد وان ينشر ردُّا على أقوال بعض الذين صاروا يتحدثون عن نشأة الكويت وكأنهم يرجمون بالغيب، في الوقت الذي نرى فيه الدلائل واضحة على ذلك. وسوف أقوم بعرضه هنا كما كتبته، وكما نشر منذ فترة بعد أن قمت بإلغاء المكرر، وشطب بعض الزيادات التي يستطيع المرء أن يستغني عنها، وهذا الذي أشير إليه هو كما يلي:
أولا: في الجزء الأول من الحكاية عن النشأة.
قلت للأحفاد:
جلس ثلاثة من الأصدقاء في منزل أحدهم، وأخذوا يتدارسون مادة من المواد الدراسية المقررة عليهم في المدرسة وهي: مادة التاريخ.
كان فرع المادة المقرر هو: تاريخ الكويت، وهم يحبون ان يطالعوا كل ما يتصل بتاريخ وطنهم الحبيب، وقد أوصاهم مدرسهم بالاطلاع على كتب إضافية يجدون فيها معلومات تضاف إلى المعلومات التي يرونها في الكتاب المدرسي، كما أوصاهم بالاتصال بالرجال الذين هم أكبر منهم سنا لسؤالهم عن أي معلومات لم يجدوها في كتاب المدرسة المقرر عليهم أو في الكتب الإضافية.
وكان من حسن حظهم ان والدة أحدهم متعلمة تعليما عاليا، وهي ذات خبرة طويلة في الحياة وعلى دراية بتاريخ الكويت؛ فهي أستاذة لمادة التاريخ في جامعة الكويت، وهذا ما دفع أحد الاصدقاء الثلاثة إلى سؤال صديقه:
- هل بالإمكان ان نسأل الدكتورة والدتك عن المشكلات التي نجدها أمامنا؟
وكان الرد أنه ليس هناك ما يمنع ذلك. وبناء عليه فقد اتفقوا على أن يطلبوا إلى هذه الأستاذة الجامعية موعدا لمراجعة بعض الأمور المهمة التي يريدون معرفتها.
رحبت الدكتورة ترحيبا شديدا بمقابلتهم والرد على أسئلتهم سواء أكان ذلك في جلسة واحدة أم في عدة جلسات.
وتحدد الموعد بحيث يكون بعد يومين، على أن يتم اللقاء في تمام الساعة السادسة مساءً.
٭٭٭
وتم اللقاء بالأستاذة، فقد وجدوها في انتظارهم في غرفة اتخذتها مكتبا تزاول فيه عملها بالبحث والدراسة، والاطلاع على الكتب التي كانت تملأ الرفوف من حولها، تهلل وجهها بالسعادة حين رأتهم، لأنها بحكم عملها الجامعي تسرها رؤية كل طالب علم، ولأن المجموعة القادمة إليها مكونة من ابنها وصديقين من أصدقائه، كان قد حدثها عنهما وذكر لها صفاتهما الحميدة.
بدأتهم بالترحيب بهم، وسألت الصديقين عن أهلهما فقد كانت تعرف والدة كل منهما. وقدمت لهما شيئا من العصير وبعض الفطائر، ثم تهيأت لأسئلتهم، وقالت:
- أظنكم تعرفون أن اختصاصي هو: تاريخ الكويت. ولكم أن تسألوا في حدود هذا الاختصاص إن أردتم.
رد أحدهم قائلاً:
- نحن نشكرك يا دكتورة على استقبالك لنا وقبولك الرد على أسئلتنا التي هي في حدود تاريخ الكويت الذي ندرسه في المدرسة.
ردت بابتسامة هادئة:
- إذن هاتوا ما عندكم.
بدأ ابنها في الكلام فقال:
- نحن يا والدتي منشغلون بموضوعين لهما علاقة بتاريخ وطننا العزيز، هما:
- متى وكيف نشأت دولة الكويت؟
- كيف تم اختيار الحاكم الأول؟
تهيأت للحديث، ثم بدأت في الرد:
- يتكون سؤالكم الأول من جزأين كما ترون؛ الأول منهما يقول: متى نشأت بلادنا، والرد على ذلك بدا جليا بعد بحوث تاريحية ووثائقية دلت على الوقت المقارب لتاريخ النشأة وهو سنة 1613م.
سأل أحدهم:
- هل هناك ما يدل على ذلك؟ إن الذين يستمعون منا إلى هذه الإجابة بعد أن نخرج من هذا المجلس يريدون معرفة الدليل؟
ردت على هذا السؤال قائلة:
- نعم، هناك أكثر من دليل، يهمني أن أعرض عليكم شيئا قليلا مما هو مطلوب لإثبات ما قلت. ومن ذلك خطاب كتبه الشيخ مبارك الصباح وأنتم تعرفونه جيدا، وقد ذكر في خطابه أن الكويت نشأت في سنة 1022هـ وهي توافق سنة 1613م، كما ورد هذا التاريخ في عدد من الكتب سوف أقوم بإطلاعكم عليها فيما بعد، وكلها كتب موثوقة، ودل على ذلك- أيضا- ما ورد في مذكرات عدد من الزائرين، وفي الخرائط التاريخية القديمة.
قال أحد الأولاد:
- هذا يدل على أن الموضوع قد بحث بحثا شاملا مما أدى إلى هذه النتيجة. أليس كذلك يا دكتورة؟
ردت بقولها:
- بلى، إننا الآن لا نجد شكا في هذه النتيجة.
واستمرت في حديثها:
- نعود الآن إلى الجزء الثاني من السؤال الأول، وهو:
- كيف نشأت دولة الكويت؟
- وردا على ذلك أقول:
- كانت البلاد خالية من السكان قبل سنة 1613م، وفقا لما قاله الشيخ مبارك في خطابه، ولكن الأحداث وتحرك الناس في جزيرة العرب دعت إلى الانتقال إلى بعض الأماكن الخالية فيها ومنها الموقع الذي نعيش فيه وعاش فيه آباؤنا وأجدادنا. وقد بدأت أعداد الساكنين هنا قليلة ولكنها زادت مع الزمن، وبخاصة بعد مجيء مجموعات يطلق عليها اسم العتوب زاد بها عدد الساكنين هنا، وتطور بذلك وضع الأرض الخالية إلى ما هي عليه الآن.
سأل أحد الأولاد:
- من هم العتوب يا دكتورة؟
- العتوب ثلاث مجموعات وصلت الى هذه البلاد في وقت واحد هم آل صباح وآل خليفة والجلاهمة، ثم لحق بهم آخرون من العتوب – أيضا – وكانت آخر دفعة وصلت الى هنا في سنة 1701م.
وهنا سألها أحدهم:
- كيف عاشوا، وما هي أعمالهم؟
ردت بقولها:
- كان هؤلاء الناس قد جربوا الاستفادة من البحر، ومارسوا العمل البحري قبل وصولهم، وقد استغلوا الميناء الجيد في المكان الذي اختاروه هنا، واشتغلوا بالتجارة البحرية، وحولوا البلاد الى مخزن كبير للبضائع يأتي الناس من بلدان أخرى لشرائها، وكما ترون فإن الكويتيين اهتموا بالنشاط البحري اهتماما كبيرا لا مجال هنا للحديث عنه.
تقدم ابن الدكتورة بسؤال مهم فقال:
- أين كان مقر السكان في تلك الفترة التي نشأت فيها دولة الكويت؟
ردت والدته:
- لا يظن أحدكم أن هؤلاء كانوا يسكنون منذ البداية في منطقة العاصمة التي نعرفها الآن وهي التي تضم قصر السيف وما حوله.
بل كانت البداية في مكان أبعد من هذا المكان وهو ما يطلق عليه اسم: القرين.
تهيأ الأولاد جميعا للسؤال، ولكن الدكتورة قالت لهم:
- مهلا فإني أعرف ما تريدون أن تسألوا عنه، إنكم تريدون أن تعرفوا شيئا عن القرين، لا بأس، إليكم الإجابة قبل أن تسألوا:
- القرين موقع في منطقة الشويخ يلاصق الميناء القائم الآن هناك.
وعندما جاءت المجموعات الأولى الى هذه المنطقة لفت أنظار الجميع ميناء القرين، وقدرته على استيعاب السكان الجدد، وهذا الموقع موجود في الخريطة الكويتية التي صدرت في سنة 1958م. وقد ثبت على وجه اليقين وبالدليل أن هذا الموقع هو القرين الذي عاش فيه الأولون من الكويتيين، وهذا الدليل هو الآثار التي عثر عليها في سنة 1973م، وقد ثبت أن بعضا من المواد التي جمعت من الموقع كانت تعود الى القرن السابع عشر الميلادي، وهي آثار تدل على وجود سكان هناك.
سأل أحد الأولاد قائلا:
- هل في الإمكان معرفة الطريقة والوقت اللذين تم بهما الانتقال من القرين الى موقع العاصمة (الكويت)؟
ردت:
- بالإمكان ذلك، ولكني أريد أولا أن أرد على السؤال الثاني وهو:
- كيف تم اختيار الحاكم الأول؟
وإليكم الإجابة عن ذلك:
- جرت عادة الأمم أن يُؤَمّروا عليهم رئيسا يحكم بينهم ويرعى شؤونهم، ويسعى الى كل ما فيه صلاح بلادهم. وكذلك هي عادة المجموعات في بلاد العرب. لذا فإن عدد السكان عندما ازداد على أرضنا هذه اجتمع كبار القوم لاختيار من يتولى المسؤولية العليا في البلاد، واستقر رأيهم على أحد أفراد آل صباح، وكان رجلا فاضلا هو موضع ثقة الجميع، وقد قبل القيام بهذه المهمة شريطة أن يسري أمره على الجميع دون تفرقة، وقد أعطاه الناس ما أراد وبايعوه على السمع والطاعة.
عاد الولد السائل ليقول:
- وماذا بشأن الموقع؟
ردت الدكتورة قائلة:
- لم أنس الإجابة عن سؤالك، ولعل هذا هو الوقت المناسب لها.
- بقي سكان القرين في موقعهم، وكان هذا الموقع يطلق عليه القرين في الخرائط وفي أقوال الرحالة الذين يأتون الى البلاد من الخارج ولم يكن هذا الاسم محددا على بقعة صغيرة من الأرض كما هو الآن، ولكنه كان يطلق على جميع المنطقة التي صار اسمها فيما بعد: الكويت.
استمر حكام القرين من آل صباح يتتابعون واستمرت القرين في النمو، وفي سنة 1718م تولى الحكم حاكم جديد هو صباح بن جابر، فوجد أن البلاد التي صارت تتنامى بقوة هي مطمع الكثيرين من المجاورين وأن القرين ليس لديها استعداد للدفاع عن نفسها لأن أرضها منبسطة ومفتوحة.
قال الابن:
- فماذا فعل الشيخ صباح بن جابر إذن؟
- قام بعمل مهم، لا يمكن أن ننساه له فقد أقام حصنا دفاعيا مهما على أحد المرتفعات الواقعة في شرقي القرين. وكان هذا النوع من البناء يسمى (الكوت) وقد أطلق عليه الشيخ اسم (الكويت) لصغره. وكان موقعه قريبا من قصر السيف الحالي وانتقلت منه التسمية الى باقي المنطقة ثم على البلاد كلها فصارت العاصمة هي الكويت، وصارت البلاد: دولة الكويت.
كانت الجلسة قد أخذت وقتا طويلا، ولكن الحديث خلالها كان ممتعا، وكانت الأستاذة منطلقة في الحديث بحيث قلت أسئلة الأولاد لأنهم حصلوا على كل ما يريدون من معلومات، وقد وجدوا أن من الأفضل – في هذه المرحلة - أن ينصرفوا ليتركوا للأساتذة مجالا للراحة بعد عناء يوم كامل أنهته بالحديث معهم. وقد تهيؤوا للانصراف وهم يقولون لها:
- نحن نشكرك كثيرا على هذه المعلومات القيمة التي أفادتنا كثيرا. ونأسف إذْ أخذنا من وقتك الثمين ما أنت في حاجة إليه.
٭٭٭
هذه هي نهاية القسم الأول من حديثي لأحفادي، وقد أردت منه أن يكون تمهيدا لتاريخ الكويت يعرفون منه كيف نشأت، وكيف سارت في طريق النمو ثم الازدهار وبقي عليّ أن أحدثهم عن قسم آخر وثيق الصلة بما سبقه فقلت موجها الكلام إليهم:
ثانيا: بدأت الكويت سيرها في طور جديد ففي يوم من أيام سنة 1718م كان عدد من المواطنين من أبناء الكويت واقفين أمام بيت الأمير، وكان يسودهم الحزن ويغمرهم الأسف الشديد على فقيدهم، ففي هذه السنة توفي الشيخ جابر بن عبدالله الذي آلمهم فقده بعد أن عاش معهم منذ سنة 1698م يدبر أمورهم ويحمل عنهم المهمات الصعبة. وكانوا في وقفتهم تلك يعبرون عن الأسى، ويتساءلون عن المستقبل.
كان كبار القوم قد تشاوروا فيما بينهم، ورأوا أن الشيخ صباح بن جابر هو أولى الناس بتسلم الحكم في هذه الفترة. فقد امتاز بخلق قويم، وحظي بمحبة الناس، وكان يقدم لهم الكثير من الاهتمام مما يخفف عنهم كثيرا من هموم الحياة.
وبعد أن توصل هؤلاء الرجال إلى هذه النتيجة واستقر رأيهم على من يرونه أحق من غيره بمنصب الأمير؛ اختاروا عددا منهم للدخول إليه في بيته الملاصق لبيت الأمير الراحل الذي كانوا يحيطون به ويتبادلون الأفكار من حوله.
لم يكن قبول المهمة سهلا على الشيخ صباح بن جابر، فقد كان يتخيل المخاطر التي تحيط بها، وأهم هذه المخاطر ألا يستجيب له بعضهم، ولذا فإنه عندما قرر الموافقة على طلبهم أخذ عليهم عهدا بأن ينفذ حكمه على الصغير والكبير، وعلى الشريف والوضيع. ولم يتردد أبناء الكويت في اعطائه هذا العهد لثقتهم بعدالته وحسن إدارته.
في هذه الفترة نودي على هذا الرجل لكي يكون أميرا للكويت منذ سنة 1718م.
٭٭٭
في هذه الفترة التي نعيش فيها كان عدد من أبناء الكويت يجلسون في ديوانية الحاج عبدالله بن صالح، وكان هؤلاء من أعمار مختلفة؛ فيهم الصغير، وفيهم كبير السن، ومن هو شاب في مقتبل أيام عمره.
وكان حديثهم يدور حول ما تقدم عن قيام الشيخ صباح بن جابر بمهمة الحكم في البلاد، وقد نقل هذا الحديث إلى الجالسين رجل من ذوي العلم بتاريخ الكويت نقله عمن كان قبله، وكوَّن لنفسه خبرة لا بأس بها حول هذا الأمر. هذا الرجل هو الحاج علي ابن جاسم الذي ما إن انتهى من حديثه حتى بدأ الجميع في توجيه الأسئلة إليه.
كان السؤال الأول من أحد الشباب:
- هل لك أن تعطينا صورة عن الصفات الطيبة التي جعلت المواطنين يلتفون حول الشيخ الجديد؟
رد الحاج علي قائلا:
- نعم أستطيع أن أبين ذلك فأقول:
إن إلحاح أهل الكويت على الشيخ صباح بن جابر على ضرورة تسلم قيادة البلاد، وتعهدهم بالطاعة والولاء له دليل على أنه يستحق ذلك، وأنه يتميز بخصال نادرة تدفعهم إلى مبايعته أميرا عليهم.
لقد وجدوا فيه الأمانة والصدق، والشجاعة، وحسن الأخلاق، والاستعداد لتحمل الصعاب مهما كانت. وقد قام بكل ما كان أبناء البلاد يأملون منه القيام به.
هنا وجد أحد الجالسين الفرصة ليسأل:
- هل استطاع هذا الأمير أن يدير البلاد بصورة جيدة؟
رد الحاج علي:
- نعم لقد أدارها على أحسن وجه، ونمت في عهده نموا واضحا، واتخذ كيانها شكل الوطن القوي الأركان، الذي تحكمه قيادة حكيمة، وتعيش على أرضه أمة مترابطة تسعى إلى التقدم المستمر، وتهتم بتنمية موارد البلاد المتاحة.
واستأذن أحد الجالسين بالسؤال، وعندما أذن له الحاج علي قال:
- كيف استطاع هذا الرجل القيام بما قام به وهو يتولى هذا الأمر لأول مرة؟
أجاب الحاج علي قائلا:
قد تكون مخطئا حين تظن أن الشيخ صباح بن جابر كان بعيدا عن السيادة، فقد كان من قوم هم رؤساء مجموعته، وكان يحكم البلاد من قبله أمراء من آل صباح اكتسب منهم الخبرة والدراية بشؤون الحكم، وعندما اتيحت له الفرصة لقيادة وطنه كان مستعدا لها.
ولكنه تردد من أجل أن يحصل على إجماع على تفويضه، وعدم معارضته، وقد كان له ذلك.
وجاء السؤال اللاحق من أحد الجالسين:
< هل ذكرت كتب التاريخ شيئا عن هذا الرجل وبينت مزاياه؟
رد الحاج علي بن جاسم، فقال:
- نعم كتب عنه، وعن فترة حكمه في أكثر من كتاب، ومما قاله أحد المؤرخين عنه ما يلي:
«أما سيرته فهي – باتفاق الرواة – حميدة مرضية، ويؤيد ذلك أن الجماعة لما اختارته وقدمته على غيره فإن ذلك لأنه كان الأفضل عقلا والأحسن سيرة، والأقرب إلى الحق، وقد أصابوا في ذلك والحمد لله».
ولأول مرة؛ تحدث صاحب الديوانية الحاج عبدالله بن صالح فقال:
- أشكرك يا حاج عليّ، فقد أوضحت لنا جميعا عددا من الأمور الخاصة بتاريخ الكويت، وكان حديثك لطيفا مفيدا، ولذا فنحن نرجو منك أن تزيدنا علما بهذا الأمر، وأن تبدأ بالحديث عن بداية عهد الشيخ صباح بن جابر، وعن أعماله اللاحقة؛ فإنه من الواضح ان هذا الرجل قد كان وفيا للذين اختاروه، فقاد البلاد قيادة حسنة حتى وصلت في عهده إلى مستوى طيب كثرت فيه الأعمال وزاد عدد السكان، وأصبحت القرين والكويت على كل لسان.
رد الحاج علي:
- لا بأس، أستطيع أن أزودكم بكل ما تريدون من معلومات، فقد استمعت إلى أخبار الأيام الماضية من عدد من كبار السن حين كنت شابا وقرأت كثيرا من الكتب، وكل ذلك يجعلني قادرا على استذكار تاريخ الكويت جيدا.
كانت عاصمة البلاد عندما نودي بالشيخ صباح بن جابر حاكما تسمى القرين، وهي منطقة معروفة إلى اليوم في غربي العاصمة دخلت الآن ضمن ميناء الشويخ.
وكان من أهم ما عني به الشيخ عندما تولى حكم البلاد هو تثبيت الأمن في البلاد، وحماية الوطن من الطامعين. وقد رأى أن من الصعوبة الدفاع عن العاصمة (القرين) لأنها كانت أرضا منبسطة، ورأى أن ينتقل بالبلاد إلى عاصمة جديدة، إلى الشرق من الموقع السابق، وقد كان له ما أراد.
وفي الموقع الجديد أقيم حصن صالح للدفاع عن العاصمة وما حولها، كان يسمى (الكوت)، وقد نطقه الناس بالتصغير فقالوا: الكويت.
كانت لفظة (الكوت) منتشرة في المنطقة المحيطة بنا، وهي تطلق على القلعة أو ما شابهها، وسرعان ما ذاع اسم هذا الموضع، فسمي (الكويت) اعتزازا بهذه القلعة، ثم ما لبث الاسم أن سرى على المنطقة الخاضعة لنفوذ الحاكم كلها.
وجاء سؤال من أحد الحاضرين، يقول:
< من هو الذي بنى هذه القلعة (الكوت) ومتى تم بناؤها؟
أجاب الحاج علي دون تردد:
- بناها الشيخ صباح بن جابر، وقد ذكر أحد كبار زوار الكويت من الأجانب، كان قد جاء إلى الكويت في سنة 1863م؛ أن أول الشيوخ أقبل مع مجموعته، ثم حط الرحال عند القرين في جون الكويت وقد قام ببناء قلعة هي (الكويت)، وهذه تختلف عن القلعة التي بناها الشيخ صباح.
وكتب أحد المهتمين بالمنطقة من الإنجليز زار الكويت في سنة 1820م، فرأى القلعة، وذكر أنها محصنة، تقوم على شرفاتها مدفعية مكونة من عشرين مدفعا.
ومن هنا عرفنا باني (الكوت)، وعرفنا الوقت التقريبي لبنائه.
قال أحدهم متسائلا:
< كل هذا جيد ومفيد، وعلمنا منه أشياء لم نكن نعرفها، ولكن أين كان موقع (الكوت)؟
رد الحاج علي بن جاسم:
- هذا سؤال مهم، وإن كان محرجا لي جدا وسوف تعرف سبب الحرج حالا.
مر بنا قبل قليل أن رئيس المجموعة التي جاءت إلى (القرين) هو الذي قام ببناء (الكوت) في الموقع الذي استقروا به. ولكن أحد مؤرخينا ذكر أن موقع الكوت كان فوق التل الذي بني عليه فيما بعد مستشفى الإرسالية الأمريكية بالقرب من منطقة الوطية على ساحل جون الكويت الجنوبي. وهناك موقع قرب قصر السيف على تل بهيته هو الذي بناه الشيخ صباح بن جابر. وهذا الاختلاف لا يمنع من بناء الأكوات الثلاثة في الأماكن التي ذكرتها، وفي أحداث التاريخ التي مرت بنا ما يوحي بصحة هذا التوقع. وما دام المقصود من انشاء (الكويت) هو الحماية، فلا بد من وجود أكثر من كوت على الساحل الممتد من (القرين) حتى الموقع الذي نشأت عليه العاصمة الجديدة: الكويت.
وعندما انتهى هذا الحديث، انتهز الحاج عبدالله بن صالح الفرصة ليتكلم بدوره عن معلوماته التاريخية المتصلة بنشأة الكويت وبالشيخ صباح بن جابر، فقال:
- حديثك يا حاج علي عن (الأكوات) حديث سليم لا اعتراض لأحد عليه. ونستطيع ان نقول ان الشيخ صباح بن جابر كان قد عزم على الانتقال من القرين الى الموقع الذي فيه الكوت الذي بناه في المنطقة المقابلة لقصر السيف.
وعندما انتقل امير البلاد الى هذه المنطقة، وصارت هي عاصمة ملكه، والاسم العام للأراضي التي يحكمها امتدت المباني والمساكن من حوله، وبنيت المساجد، وكان مما حفظ لنا التاريخ ذكره منها مسجد اطلق عليه اسم مسجد البحر الشمالي الذي تمت ازالته وتم بناء مسجد الدولة بالقرب منه.
ثم نمت العاصمة على مر الزمان، حتى وصلت الى ما هي عليه الآن من تميز يدل على الرغبة الأكيدة في التقدم ومداومة الازدهار.
سأل أحد الحاضرين:
- إلى متى استمر الشيخ صباح بن جابر في الحكم؟
أجاب الحاج عبدالله:
- لقد بقي في الحكم إلى أن توفي في سنة 1776م، وقد ترك ذكراً طيباً بين الناس الذين افتقدوه كثيراً يوم وفاته.
ومن هنا انطلق الحاج علي بن جاسم في الحديث مرة أخرى، فقد تذكر شيئاً يود أن يقوله قبل أن يقوم الجالسون في الديوانية بعد أن حان وقت انصرافهم فقال:
- انتظروا، لدي كلام اريد أن اقوله لكم قبل أن تذهبوا الى منازلكم، وقصدي من ذلك أن يكون الموضوع الذي جرى حديثنا حوله كاملا.
تحدث الحاج عبدالله موجها الكلام الى الحاج علي قائلاً:
- أرجوك أن تتحدث بكل شيء، وما دام هذا الموضوع قد فتح للحديث، فلابد من اكماله.
هنا تهيأ الحاج علي للكلام فقال:
- مما يذكر عن فترة حكم الشيخ صباح بن جابر مما ورد في كتب التاريخ انه في سنة 1772م حل وباء خطير باحدى البلدان المجاورة، وأفنى عدداً كبيراً من سكانها، ولسوء الحظ فقد انتقل هذا الوباء الى الكويت، وتوفيت بسببه اعداد كبيرة من السكان، مما اثر على النمو البشري للبلاد لفترة طويلة.
اضافة الى ما تعرضت له بعض البلدان المجاورة من احداث جعلت سكانها يلجؤون الى الكويت حيث وجدوا المكان الآمن الذي اشعرهم بالراحة بعد المعاناة التي سببها ما حدث لهم.
٭٭٭
حان وقت الانصراف، فلكل ديوانية في الكويت موعد محدد تبدأ به وتنتهي عنده. ووقف جميع رواد ديوانية الحاج عبدالله بن صالح، فشكروه على هذه الجلسة الممتعة المفيدة، وشكروا الحاج علي بن جاسم على المعلومات القيمة التي قدمها لهم، واستفاد منها كل واحد منهم.
٭٭٭
هذا هو الحديث الذي أردت ان أعيده هنا إلى الاذهان، عسى ان تكون في ذلك الفائدة المرجوة.
وهو حديث يبدو من هيأته انه حديث للصغار ولكن المعلومات التي فيه تفيد الكبار ايضا، وقد حرصت على ان تكون قريبة التناول يسهل الحصول عليها، ولم أكتبها الا بعد مراجعات وتدقيقات واطلاع على كثير من المراجع حرصا مني على مصداقية القول، وحتى لا أدلي بمعلومات يمكن أن يحيط بها الزلل.
المزيد من الصور
أخبار ذات صلة
الأزمنة والأمكنة
الأزمنة والأمكنة
الأزمنة والأمكنة
الأزمنة والأمكنة
التعليقات الأخيرة
All Comments
Please enable JavaScript to view the
comments powered by Disqus.
comments powered by
Disqus
أكثر المواضيع مشاهدة
«التمييز» ترفض وقف تنفيذ إغلاق «الوطن»
فيديو - العصفور: التزمنا بالقرار الإداري لـ«الإعلام» وأدعو الجميع لمشاهدة افتتاحية قناة «المجلس»
أماني بورسلي: كنا نريد دعماً حكومياً لـ«قناة الوطن»
المحامي حسين العصفور: أيادٍ خفية تعمل من أجل إغلاق «الوطن» !
الاستئناف تلغي حكماً لمرزوق الغانم ضد قناة «الوطن»
إحنا مضربين نبي حقوقنا
المكافحة: ضبط مواطنة بحوزتها مواد مخدرة ومؤثرات عقلية
عدسات لاصقة تُفقد فتاة بصرها.. والأطباء يحذرون من كارثة صامتة
الكويت تبحث مع الأمم المتحدة جهود حماية المرأة وتعزيز التشريعات ضد العنف
إسكان المرأة تدعو المواطنات ممن لديهن طلب مسكن مؤجر من سنة 2010 وما قبل لتحديث بياناتهن
Tweets by WatanNews
!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
80.9982
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
Top