مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

أفكار وأضواء

النفط .. والمرأة السعودية

خليل علي حيدر
2012/02/08   12:39 ص

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image

فكــر


ترك ظهور النفط بالطريقة التي جرت آثاراً سلبية في مجتمعات عربية عديدة

رغم رفاهية المجتمع الخليجي وتعاون الدولة في وضع تشريعات عمل إنسانية تجد المرأة نفسها أمام قضايا ربما غير مطروحة في أي مجتمع

غير ظهور النفط من وجه تاريخ دولة الامارات، تقول د. موزة غباش، واستطاع ان يترك اثرين متضادين في المجتمع: الاثر الاول انه بجانب عوامل اخرى، استطاع ان يعجل في حركة التغيير ضمن النظام الاقتصادي، اما الاثر الثاني فهو تعطيل التغير في الانساق الاخرى، وبخاصة النسق الاجتماعي الاسري والنسق الثقافي. ولهذا، فـ«ان التغيير لم يحدث للانسان بشكل منتظم ومتزامن، الامر الذي خلف وراءه العديد من الظواهر والمشكلات، كان ابرزها زعزعة موقف المرأة من عملية التنمية». [المرأة العربية بين ثقل الواقع وتطلعات التحرر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1999، ص222].
ترك ظهور النفط، بالطريقة التي جرت فيها الاستفادة من الثروة، آثارا سلبية مماثلة في مجتمعات خليجية وعربية عديدة، نود ان نستعرض هنا ما كتبته الباحثة السعودية د. فوزية ابو خالد عن «أثر النفط في مسألة المرأة في المجتمع السعودي»، وهو بحث كانت الاستاذة المعروفة قد نشرته عام 1990، واعيد نشره في الكتاب نفسه.
وتنفي الباحثة ما يمكن اعتباره «الشرف الحضاري» للنفط في منطقة الخليج والجزيرة! ذلك انه «اذا كان يمكن ان يقال ان مصر هبة النيل، نظرا الى الارتباط التاريخي بين نمط او انماط الانتاج المعيشي في مصر وبين النيل، فانه لا يصح ان تقول ذلك، ولو مجازا عن النفط، ولا حتى في المجتمع المحلي السعودي، او اي جزء آخر من اجزاء المجتمع العربي».
ولا يرجع هذا، تضيف د. أبو خالد، الى كون النفط «تهمة تدفع او شرف يدعى»، بل لبعض المحددات الموضوعية مثل طبيعة الكيفية التي تم بها ظهور النفط وجرى توظيفه، وعلاقة قطاع النفط بالانماط المعيشية التقليدية. ولا تقول الباحثة ان تأثير النفط طارئ او سطحي في مجتمعاته، ولكن ينبغي عدم نفخ هذا التأثير حتى تختفي معالم المعطيات الاخرى! تقول: «اننا نسمع اليوم مقولات ونعوتا مثل المجتمعات النفطية، وعندما يقال انسان من السعودية او من الخليج، فالرديف المضمر او الاعلامي، هو «انسان النفط»، وهذا في رأينا اختزال وإخلال بصورة انسان تلك المجتمعات، وبالتاريخ الاجتماعي لتلك المنطقة، ولحركة التغير الاجتماعي واستشرافاتها المستقبلية، وقواها الاجتماعية، التي تميع او تمسخ من خلال مثل هذه النعوت والمقولات، حيث المرأة احدى هذه القوى الاجتماعية».
كان البحث في قضايا واوضاع المرأة السعودية الى ما قبل اعوام قليلة من الامور المعقدة، وبخاصة ما يتعلق بالتعليم والعمل. وتشتكي الباحثة «هند خليفة» في رسالة ماجستير مقدمة في قسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود قبل اكثر من عقدين، «ان من اكبر الصعوبات التي واجهت هذا البحث مسألة الحصول على احصائيات عامة وشاملة توضح عدد السعوديات العاملات في مدينة الرياض في القطاعات المختلفة المتاح للمرأة العمل بها، وذلك لعدم وجود احصائية شاملة ومتكاملة». [نفس المرجع، ورقة د. فوزية أبو خالد عن «أثر النفط في مسألة المرأة في المجتمع السعودي»].
وتفيد المعلومات التي قامت د. أبو خالد بجمعها في ورقتها آنذاك، معتمدة على البحث المكتبي البحت بما يلي: «أنشئت الرئاسة العامة لتعليم البنات كأول هيئة رسمية لتعليم المرأة النظامي عام 1960. وافتتحت خلال ذلك العام خمس عشرة مدرسة ابتدائية وفصل لاعداد المعلمات، بلغ عدد طالباتها 5180 طالبة، وتم إلحاق المرأة بالتعليم الجامعي المنتظم في جامعة الملك سعود عام 1394هـ (1974م). وتشير تقديرات العمالة الاجمالية الى ان حوالي خمسين الف فتاة يتوقع ان يدخلن ضمن مفهوم القوى العاملة خلال فترة خطة التنمية الرابعة (1405 – 1410هـ) (1985 – 1990م).
وكانت مجالات التعليم المتاحة للمرأة مراحل التعليم العام الثلاث ومعاهد التمريض ومعاهد تعلم الخياطة. وتقول الباحثة، في ورقتها المنشورة كما ذكرنا عام 1990، «يوجد في السعودية سبع جامعات يتاح للمرأة الالتحاق بأربع منها وهي: جامعة الملك سعود، جامعة الملك عبدالعزيز، جامعة الملك فيصل، وجامعة الامام محمد بن سعود، وذلك في معظم كليات العلوم الانسانية ما عدا الاعلام، الفلسفة والفنون الجميلة، (حيث ان المجالين الاخيرين غير متوافرين اصلا لكلا الجنسين)، علم النفس (افتتح أخيرا قسم له في جامعة الملك سعود 1407هـ - 1987). اما بالنسبة الى الكليات العلمية فان المتاح منها للمرأة هو مجالات كلية العلوم، بعض اقسام العلوم الادارية، كلية الصيدلة والطب، العلوم الطبية المساعدة او التطبيقية، وان كان الاقبال على الاخيرة من قبل الطالبات السعوديات لايزال محدودا. هذا اضافة الى كليات الآداب والتربية التابعة للرئاسة العامة لتعليم البنات».
اما عن مجالات عمل المرأة في تلك المرحلة فكانت محدودة جدا. ومما يدل على ذلك ما جاء في الخطة الخمسية نفسها، والتي ذكرت «إن التطورات الحديثة في تطبيق الحاسب الآلي في الدول الاخرى قد ادت الى زيادة امكانية مشاركة المرأة دون ان تغادر منزلها. وحيث ان نطاق استخدام الحاسب الآلي في المملكة اخذ في الازدياد، فان هذا المجال يمثل المزيد من فرص العمل للاناث، مما سيمكن النساء السعوديات من الاسهام في عملية التنمية في المملكة وهناك فرص عمل اخرى تتفق مع تعاليم الشريعة الاسلامية تمكن مساهمة المرأة فيها مثل نشاط المختبرات، ومراقبة العمليات».
[تقرير خطة التنمية 1405 – 1410هـ، وزارة التخطيط، الرياض، ص83].
وبدا من ذلك التقرير الرسمي أن مجالات عمل المرأة ضيقة إذ لم تتجاوز مجالات التعليم والحاسب الآلي وبعض المجالات الطبية، بالإضافة إلى المجال الإعلامي الذي، كما تقول الباحثة، دخلته المرأة بجهدها الذاتي، بعد أن أقامت بعض الصحف أقساماً نسائية منفصلة. ويضاف كذلك مجالان هما الأعمال المصرفية النسائية في الفروع المخصصة، ومجال الأعمال التجارية الحرة، في إطار القطاع الخاص، وهو مجال غير متاح لكل امرأة إذ ان «الدخول إليه يقع في باب القدرة على حيازة رأس المال الفردي الخاص والدعم الذكوري ضمن دائرة الانتماء الأسري والقبلي».
كما تتراجع في الوقت نفسه مجالات عمل نسائية تقليدية، كالنشاط الرعوي والزراعي، بسبب اتجاه القوى العاملة إلى المدن، ودخول هذين القطاعين في إطار المشاريع الاستثمارية الكبرى، واستبدال بالقوى العاملة التقليدية الآلات والأيدي العاملة الأجنبية.
وترى د.أبو خالد أن النموذج التنموي السعودي فيه العديد من ملامح التنمية في العالم الثالث والدول المنتجة للمواد الخام مثل النفط.
وتحدد الباحثة اتجاهات طرح مسألة المرأة، من ناحية التعليم والدراسة، والعمل والإنتاج، بأربعة اتجاهات:
-1 الاتجاه التقليدي الماضوي، الذي يكرس القول بالطبيعة الخلقية المعطاة للمرأة، والتي تحدد دور المرأة وفعاليتها الاقتصادية والاجتماعية، وهو اتجاه يؤدي إلى «سلخ المرأة عن المجتمع».
وتلاحظ الباحثة أن ظروف العالم العربي على مدى قرن ونصف القرن من الزمان، قد فرضت على هذا التوجه التقليدي تقديم بعض التنازلات، وخففت من توجهاته الماضوية، وان كان لايزال على بعض شروطه الخاصة: «فهو إذ يسلم بتعليم المرأة وعملها، يسلم به على شرط تكييف علم المرأة وعملها ومجالاته بما لا يخرج على منظومة الزواج والأمومة كأساس يعتبره المبرر الوحيد لخلق المرأة أصلاً ولغرض وجودها في هذا الكون».
ولكن كل المدافعين عن «طبيعة المرأة الرقيقة»، و«عدم مناسبة الأعمال المرهقة» لهن، من أنصار الدور الطبيعي للمرأة، يغمضون عيونهم عن عمل الفلاحة الشاق أو عمل البدوية المضني، بين البيت والمزرعة أو الرعي، إذ لا يشيرون مثلا إلى أن هذه الأعمال الشديدة الارهاق لا تتناسب مع «فطرة المرأة»، ورقتها وأنوثتها وغير ذلك مما يؤسس عليها هذا الاتجاه أحكامه! وتقول الباحثة: «إن متطلبات عمل المرأة الرعوي في بادية المجتمع السعودي اليوم، وفي الظروف الحالية لهذا النشاط، تفرض على المرأة كثيرا من المتطلبات، أكثر مما كان قائما في الماضي، والتي تتعارض مع أساس هذا التوجه مثل: الاعتماد المباشر على النفس في غياب الذكور بالمدن، قيادة السيارة، الاختلاط، اتخاذ القرارات اليومية، وحماية الجماعة التي تعيش على هذا النشاط. ومثل هذا يمكن أن يقال عن النساء في الريف أو في البيئات الفقيرة حيث مجالات العمل أقسى واكثر انفتاحا في مجالات ومحرمات هذا الاتجاه، ومع ذلك فإن عمل المرأة هذا لا يثير هذا التوجه». فلماذا يصمت معارضو عمل المرأة عن قسوة حياة نساء الريف والبادية، وما يلاقين من صعاب، ويتمسكون بمقولة ان الاعمال التي تناسب المرأة قليلة محدودة، «ولابد من أن تراعى طبيعتهن الجسدية ووظائفهن الطبيعية»؟.
-2 ثاني الاتجاهات التي تتعامل في السعودية والعالم العربي مع قضية مشاركة المرأة في الحياة الانتاجية، تقول الباحثة، هو «الاتجاه الغربي الرأسمالي». ومرجعية هذا الاتجاه، «الافكار والفلسفات التنموية المصدرة الى المجتمع العربي والمجتمع السعودي من النظام الرأسمالي الغربي.. ولذلك فمنظوره يخضع لمفاهيم اقتصاد السوق، كالعرض والطلب والربح والعمل بأجر».
وهذا التوجه يفاخر مظهرياً بدمج المرأة في الحياة الانتاجية، وتسليط الاضواء على بعض الوظائف والمناصب التي وصل اليها نفر قليل من النساء، تقول الباحثة، «ليباهي بالمظاهر المتاحة للمرأة»، رغم انه ينحى عليها باللائمة لانها سلبية، تفضل ارتباطها بالزوج والاسرة، وتفضيلها لهما على المتاح لها من فرص ذهبية للعلم والعمل. وهو في النهاية اتجاه يجد افضل نماذجه في مراكز الحضر وكبريات المدن.
-3 ثالث الاتجاهات هو «الاتجاه النسوي الغربي»، وهو اضعف التيارات التي تطرح من خلالها مسألة المرأة في المجتمع السعودي. وهو كذلك اقل بروزاً في السعودية منه في اي مجتمع عربي آخر، ولكن عزلة المرأة السعودية تقترن احياناً في بعض التحليلات مع نتائج مشابهة لنتائج طروحات هذا الاتجاه، رغم ان واقع العزلة الذي تعانيه المرأة في السعودية، يرتبط اساساً بجذور نقيضة لهذا التوجه. وتقول الباحثة ان المجتمع السعودي تبرز فيه مجالات نسوية على اكثر من صعيد، كوجود مصارف نسائية، واسواق نسائية، ومكاتب صحافية نسائية، بل وهناك توجه لـ «نَسْوَنَة» كثير من مجالات العمل، أو ايجاد ملاحق نسوية فيها مثل بعض الوزارات والادارات الحكومية، حتى نكاد نجد توجهاً نحو خلق «امبراطورية نسوية» في مقابل «الامبراطورية الرجالية» في المجتمع والواحد، «هذا مع ملاحظة ان الامبراطورية النسوية المفترضة، المشار اليها في المجتمع السعودي، تخضع في النهاية، في التوجيه والاشراف، للرجل».
ولا يتم هذا الفصل دون تكلفة مادية باهظة، «ويكفي ان نشير هنا إلى مثال واحد بهذا الصدد، وهو ان تكاليف الشبكة التلفزيونية المغلقة التي شرعت جامعة الملك سعود في تنفيذها في سياق الحفاظ على وجود عالمين منفصلين، عالم الطالبات وعالم الطلاب، قد فاقت خمسة الملايين دولار، ولنا ان نتخيل مجرد التخيل، ان مثل هذا المبلغ كاف لميزانية مجتمع كامل برجاله ونسائه، وليس لميزانية امبراطورية نسائية فقط».
-4 رابع الاتجاهات في تحليل الباحثة هو ماتسميه «الاتجاه العربي المستقل». وتقول في تعريفه انه «الاتجاه الذي ينطلق من النظر الى مسألة المرأة على اساس انها جزء من القضية الاجتماعية والحضارية والوطنية في ابعادها المجتمعية الشاملة.. حيث ان حل مسألة المرأة لن يتم الا في اطار التغير الاجتماعي الشامل والجذري». وتتعاطف الباحثة مع هذا الاتجاه حيث تجد فيه مخرجاً لأزمة مساهمة المرأة السعودية واستفادتها من مجالات العلم والعمل معاً، ولكنها، اي الباحثة، في معرض حرصها على الالتزام بتحليل عربي تقدمي وحدوي، لا تأخذ بالاعتبار بشكل واقعي الوضع السياسي في المنطقة، ولا تلتفت بشكل جيد، وهذا هو الاهم، الى ضغوط ومفاجآت الاقتصاد الريعي وثرواته المتضخمة وتأثيرات ذلك كله في الهياكل الاجتماعية المختلفة بما فيها توجهات التيارات السياسية ودور المرأة السعودية في العملية الانتاجية وغير ذلك.
وكذلك ورطة وزارات دول الخليج كلها في مجال تشغيل الرجال والنساء والخريجين المتكدسين، معززين بذلك بطالة مقنعة متفشية! وهكذا، فالمرأة السعودية والخليجية عموماً، ورغم رفاهية المجتمع بشكل عام، وتعاون الدولة في وضع تشريعات عمل انسانية ومتساهلة في مختلف الوزارات، تجد نفسها امام قضايا ربما غير مطروحة في اي مجتمع!.
وهذا ما قالته بشكل غير مباشر، د. موزة غباش في مطلع المقال!.

خليل علي حيدر
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
329.0115
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top