مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

حديث الثلاثاء

3 ملفات مؤجلة تنتظر الحسم

فهمي هويدي
2015/01/05   09:03 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



إن المطلب المتواضع الذي يعيد بصيص الأمل يتمثل في الدعوة إلى الالتزام بما نصت عليه خارطة الطريق

أتمنى أن نفرق بين ما هو ضروري للتقدم وبين ما هو عاجل لرأب التصدعات والحفاظ على قوام المجتمع وعافيته


لا نستطيع في مصر ان ندخل مطمئنين الى العام الجديد ما لم نطهر الجراح التي خلفها العام الذي سبقه.

(1)
شجعني على اطلاق هذه الدعوة ان الرئيس عبدالفتاح السيسي أعطى اشارتين مهمتين في حديثه الى رؤساء الصحف القومية الثلاث (الذي نشر على يومين في 29 و30 ديسمبر). الأولى أنه دعا الى ترميم الجراح قائلا: كفانا عنفا وتمزقا، والثانية تحدث فيها عن أنه طلب من وزير الداخلية اجراء مراجعة شاملة للمقبوض عليهم لاطلاق سراح الأبرياء منهم.
صحيح ان هذا الكلام قيل في سياق حديث مطول حول الآمال المعقودة على العام الجديد، الا أنني اعتبرت ان ما قيل ينم - في حده الأدنى - عن ادراك للملفات العالقة المرحَّلة من عام 2014 التي تحتاج الى مراجعة ترفع المعنويات وتعيد الى كثيرين شعورهم بالثقة والأمل في العام الجديد.
واذ توفِّر لنا مثل هذه الرسائل على اقتضابها بصيصا من الأمل نتعلق به، الا ان ذلك البصيص لا يلبث ان ينهزم ويخبو بفعل ممارسات تتم على أرض الواقع، تبدو وكأنها تمضي في اتجاه معاكس تماما.
ذلك أنه في 31 ديسمبر، بعد يوم واحد من نشر الحوار، أطل علينا جرح جديد حين أعلن رئيس جامعة الأزهر أنه تم فصل أكثر من خمسين طالبا من الجامعة اتهموا باثارة الشغب، وفي اليوم التالي مباشرة الذي هو أول أيام العام الجديد نشرت الصحف ان مجلس الوزراء وافق على تعديل قانون الجامعات بما يجيز فصل عضو هيئة التدريس في ثلاث حالات هي: التحريض على العنف والشغب، ممارسة الأعمال الحزبية، الاقدام على أي فعل يزدري شرف وظيفته أو يمس نزاهة وكرامة مهنته.
لا أستبعد ان تكون تلك مجرد مصادفة، ان تتزامن مثل هذه الاجراءات مع نهاية عام واستهلال عام جديد، الا ان المرء يعذر اذا انتابته الحيرة والبلبلة جراء ذلك، بما يسحب من رصيد تفاؤله بالعام الجديد، وهو ما يضعنا أمام أحد خيارين: فاما ان نستسلم للهزيمة فنكتئب ونغرق في مستنقع اليأس والتشاؤم، واما ان نقاوم ونصر على التعلق بأسباب التفاؤل بمواصلة دق الأجراس والالحاح على تطهير الجراح لتصويب المسيرة واستعادة العافية، وللأسف فان الاستسلام لليأس أصبح أكثر أمانا في حين ان مقاومته قد تكون باهظة التكلفة، لأن بيننا أصواتا عالية ومنابر مؤثرة يريحها ويسرها ابقاء الجراح مفتوحة كما هي، غير مكترثة بما قد يخلفه ذلك من تقيحات ومرارات تصيب الوطن بعاهات يصعب البرء منها.

(2)
على الرغم من ان المصارحة في محاولة مقاومة اليأس والتشاؤم لا تخلو من مغامرة الا أنه لا مفر منها، ذلك ان أحدا لا يستطيع ان يقلل من أهمية الجهد الذي بذله آخرون لتسليط الأضواء على تحديات العام الجديد وملفاته، سواء ما تعلق منها بالاقتصاد والطاقة والمياه أو ما خص الانتخابات التشريعية التي هي من مكملات خريطة الطريق التي سبق اعلانها في يوليو 2013، لكن المرء لا يستطيع ان يخفي دهشته ازاء سكوت أغلب الأصوات على ملف الحريات العامة الذي هو أحد أهم الملفات المرحَّلة من العام السابق، ذلك ان التراجع في منسوب الحريات أصبح حقيقة لا يستطيع ان ينكرها كل ذي عينين، وللأسف فان القانون أصبح أحد أخطر الأساليب التي استخدمت للتضييق على الحريات وليس ضمانها أو حمايتها، واذا كنا قد قرأنا في اليوم الأول من العام الجديد خبر تعديل قانون الجامعات بما يجيز فصل أعضاء هيئة التدريس، فان تلك الخطوة تعد حلقة في المسلسل المحزن الذي توالت حلقاته الأخرى على مدى العام، وكلها تمضي في ذات الاتجاه الذي يضيق على المجتمع ويحاصره، فقد فوجئنا مثلا باستعادة اجراءات الطوارئ بغير اعلان، وهو ما أعادنا الى وضع أسوأ من قانونها الذي سقط، اذ المعلوم ان الطوارئ تعلن لمواجهة ظرف استثنائي ولأجل يفترض ان ينتهي بانتهاء ذلك الظرف، الا ان تعديل مدة الحبس الاحتياطي وجعله مفتوحا لأجل غير معلوم، وليس للمدة التي حددها القانون، يفرض الوضع الصادم الذي صرنا اليه، اذ بمقتضاه أصبح الاستثناء قاعدة، ومن ثم فاننا انتقلنا من وضع سيئ الى وضع أسوأ، وصرنا كمن تجنب حفرة ليقع في بئر!
تعديل قانون الاجراءات الجنائية واطلاق مدة الحبس الاحتياطي صدر به قرار جمهوري من المستشار عدلي منصور في شهر سبتمبر عام 2013، وفي الشهر التالي مباشرة صدر قانون تقييد التظاهر الذي طعن في مخالفته للدستور، وكان له دويه في أوساط الشباب الذين أصبحوا ضحاياه في وقت لاحق.
في الاتجاه ذاته صدرت قوانين أخرى في عام 2014، أحدها تعديل المادة 78 من قانون العقوبات الخاصة بالتمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية، وهو التعديل المعيب والعجيب الذي قيد الحصول على التمويل النقدي والدعم المادي وأية أشياء أخرى (في نقده سمي قانون الأشياء الأخرى!)، وعاقب المخالفين بعقوبة تصل الى الاعدام على جرائم غامضة مثل الاخلال بالسلم العام، وهو ما اعتبر محاولة لتكبيل النشاط السياسي والمدني وتضييق مساحة العمل العام، في هذا الاطار صدر قانون توسيع اختصاص القضاء العسكري بحيث فرض ولايته على كل مساس من جانب أي أحد بالأماكن الحيوية، من الطرق والكباري الى محطات المترو والجامعات، ليس بعيدا عن ذلك الانذار الذي تم توجيهه الى منظمات حقوق الانسان واستهدف اخضاعها للموافقات الأمنية وتحكم السلطة في أنشطتها، وفي الطريق أيضا قانون الكيانات الارهابية الذي يشكل سيفا مصلتا على رقاب أي نشاط عام لا ترضى عنه السلطة، اذا أضفنا الى القائمة تعديل قانون الجامعات سابق الذكر فان الصورة تصبح أكثر وضوحا.
الشاهد أننا صرنا ازاء حزمة قوانين مكبلة للنشاط العام تمثل عبئا ثقيلا على ملف الحريات العامة، التي كان اطلاقها على رأس أهداف ثورة 25 يناير 2011، ترتب على ذلك مثلا ان سبع منظمات حقوقية مصرية انسحبت من المشاركة في فاعليات الاستعراض الدوري لملف حقوق الانسان في مصر (الذي نظمه في شهر نوفمبر الماضي بجينيف مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، وأعلنت المنظمات أنها أقدمت على ذلك لكي تتجنب الابتزاز والانتقام من جانب السلطات الأمنية، وفي أعقاب ذلك نقل مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان جميع برامجه الاقليمية والدولية من مصر الى تونس بحثا عن الأمان، وذكر في بيان أصدره أنه أقدم على تلك الخطوة بسبب ما اسماه «التهديدات المتواصلة على منظمات حقوق الانسان في ظل اعلان الحرب على المجتمع المدني».
يطول بنا الحديث اذا تطرقنا الى قرائن تراجع مؤشر الحريات العامة في مصر، الا أننا لا نستطيع ان نتجاهل بين تلك القرائن دلالة وقف حلقات باسم يوسف (البرنامج) ومنع مسلسل أهل الاسكندرية لبلال فضل الذي اضطر الى مغادرة البلاد والاقامة في نيويورك، كما لا نستطيع ان نغفل دلالة اختفاء وجوه عدد من الاعلاميين المحترمين مثل ريم ماجد وحمدي قنديل ويسري فودة وأمثالهم، وهو ما يعد تعبيرا عن ضيق الصدر حتى بالأنصار الذين كانوا ضمن الذين خرجوا في 30 يونيو، فما بالك بحظوظ المخالفين.

(3)
بعد ملف الحريات العامة العالق يأتي ملف المصالحة الوطنية الذي لم يفتح منذ عام 2013 وحتى الآن، وكان الحرص على تحقيق تلك المصالحة أحد بنود «خارطة الطريق» التي قدمها الفريق آنذاك عبدالفتاح السيسي في البيان الذي ألقاه في الثالث من شهر يوليو في ذلك العام، وفيه أعلن عزل الدكتور محمد مرسي من منصبه الرئاسي، وكان من بين الاجراءات التي دعت اليها الخارطة: «تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات»، ولم يقف الأمر عند حدود تعطيل ذلك النص وتجميده طوال ثمانية عشر شهرا حتى الآن، وانما أصبح مصطلح المصالحة بحد ذاته محل استنكار من جانب المنابر الاعلامية وأغلب النخب وحتى الأحزاب السياسية، من ثم فان الدعوة التي أطلقتها خارطة الطريق حولها الاستقطاب والخطاب الاعلامي الملوث الى فكرة مستهجنة ومصطلح خادش للنقاء السياسي.
والمدهش في الأمر ان السهام المسمومة أصبحت تتسارع في الانطلاق بمجرد ذكر الكلمة، وقبل التعرف على شروط المصالحة وبنودها التي قد تتم لصالح الطرف الغالب والأقوى، ومن المفارقات في هذا الصدد ان الرئيس التونسي الجديد باجي قايد السبسي قال في أول خطاب له بعد حلفه اليمين الدستورية انه لا مستقبل لتونس دون مصالحة، وقد أبرزت بعض الصحف المصرية تلك العبارة على صفحاتها الأولى صبيحة اليوم الأول من شهر يناير الحالي، وفي حين وردت العبارة على لسان الرجل، الذي هو سياسي مخضرم ومحنك، فان نقيضه تماما صار العنوان الحاكم للوضع القائم في مصر، اذ غدت الممارسات مستلهمة طول الوقت شعار: لا مستقبل دون مخاصمة! وهو شعار يستبطن دعوة الى الابادة السياسية وترحب بالابادة غير السياسية.
أدري ان مجرد الاشارة الى المصطلح تعرض صاحبها للاتهام والتجريح من جانب ميليشيات الابادة سابقة الذكر، لكنني أزعم ان تجاهل الملف يعد من قبيل دفن الرؤوس في الرمال فضلا عن ان الابقاء على الوضع الراهن كما هو لا يعد حلا للاشكال، ولكنه يظل مصدرا دائما لتهديد الاستقرار والسلم الأهلي، أما الادعاء بأن باب الحديث في الموضوع قد أغلق وعلى كل طرف ان يدبر حاله بعد ذلك، فهو يعد نوعا من العبث والحمق السياسي، لأن المشروعات التي تنطلق من رؤية فكرية أيا كان رأينا فيها لا تشطب بقرار ولا تقتل بمدرعة ولا يتم اعدامها بحكم محكمة مهما بلغ جبروتها.
ان المطلب المتواضع الذي يعيد بصيص الأمل يتمثل في الدعوة الى الالتزام بما نصت عليه خارطة الطريق بخصوص تشكيل اللجنة العليا للمصالحة الوطنية، بشرط واحد هو ان ترفع عنها يد الأمن، ولا تشكل من المخبرين العاملين أو المنتسبين، بحيث تكون عضويتها ممثلة حقا للنخب الوطنية من كل الاتجاهات، كما ورد في نص خارطة الطريق.
اذا قال قائل ان محاولات للمصالحة بذلت في السابق ولم تنجح، فردي أستقيه من عبرة فكرة أمريكية خلاصتها أنه اذا تكرر رسوب الطلاب في الصف الدراسي فان اللوم ينبغي ان يوجه الى الأستاذ وليس التلاميذ، لماذا؟ لأن تكرار الرسوب يعني أنه فشل في ان يستخلص من الطلاب أفضل ما فيهم، واذا طبقنا الفكرة على الحجة سابقة الذكر فانها تبطلها وتشير باصبع الاتهام اما الى أداء السلطة والعرض الذي قدمت أو الى فشلها في مخاطبة الطرف الآخر المستعد للتفاهم والراغب فيه.

(4)
عودة السياسة عنوان ثالث الملفات العالقة والمرحَّلة من العام المنصرم، وأعني بعودة السياسة اثبات حضور المجتمع ممثلاً في المؤسسات المستقلة والمنتخبة لكي يمارس حقه في المشاركة والمساءلة، في هذا الصدد لا مفر من الاعتراف بأن ذلك الباب ظل مغلقا منذ الثالث من يوليو عام 2013، حتى الانتخابات التي كان مقررا لها ان تتم في نهاية ذلك العام، فانها قد تجرى في أوائل الصيف القادم (عام 2015)، من ثم فقد استقر في يقين البعض ان السلطة القائمة منحازة الى الحلول الأمنية وعازفة عن الحلول السياسية، وذلك انطباع عدد من المثقفين المحترمين.
وأحدث ما قرأته في هذا الصدد مقالة للدكتور وحيد عبدالمجيد استهلها بقوله ان «نظام الحكم الحالي في مصر لا يؤمن بأهمية السياسة» (المصري اليوم 1/2)، وهو معنى تردد في كتابات آخرين غير الدكتور وحيد أذكر منهم الدكاترة مصطفى كامل السيد وأحمد عبدربه وعمرو الشوبكي وعمرو حمزاوي وآخرين ربما غابت عني اسماؤهم.
قد يرى البعض ان ذلك الأمل مشكوك في تحقيقه اذا ما تم انتخاب البرلمان المقبل، الا ان البرلمان يظل أحد منابر المشاركة وعودته وحده لن تعيد السياسة، لأن العودة الحقيقية لن تتحقق الا برفع سقف الحريات العامة والغاء وصاية المؤسسة الأمنية على مختلف مؤسسات المجتمع المدني، من أحزاب الى منظمات حقوقية ونقابات ومجالس محلية، اضافة الى استعادة استقلال الجامعات والقضاء والاعلام، فضلا عن فك الارتباط بين العسكر والسياسة.
انني لا أريد ان أقلل من أهمية الملفات والعناوين الأخرى التي رشحها البعض ضمن أجندة السنة الجديدة، لكنني أتمنى ان نفرق بين ما هو ضروري للتقدم وبين ما هو عاجل لرأب التصدعات والحفاظ على قوام المجتمع وعافيته، لكي يكون مهيأ للتقدم، وأزعم مثل تلك الملفات العالقة التي أشرت اليها من جنس ما هو عاجل ولا يحتمل التسويف أو الانتظار.

فهمي هويدي
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
269.0088
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top