مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

مسيرة العالم العربي ضد التاريخ

فهمي هويدي
2014/10/15   09:06 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



الصدام الذي نشهده الآن هو بين أبناء الحضارة الواحدة كذلك فإن شواهد الديموقراطية تتراجع حيناً بعد حين

يبدو وكأننا بإزاء خرائط جديدة على الصعيدين الجغرافي والسياسي بل نرى في الصورة بعض ملامح الحرب الباردة بين التحالفات والمحاور



من نواح عدة يبدو العالم العربي وكأنه يسير عكس التاريخ، وأنه لايزال أسير صراعات القرن الماضي.

(1)
من اليمن إلى ليبيا مروراً بالعراق وسورية تظل بعض شواهد أزمة العالم العربي، وتقدم مصر والجزائر والسودان ولبنان شواهد أخرى، حتى يبدو وكأننا بازاء خرائط جديدة على الصعيدين الجغرافي والسياسي، بل اننا نرى في الصورة بعض ملامح الحرب الباردة بين التحالفات والمحاور التي تشكلت في المنطقة، وذلك منطوق يحتاج إلى بعض التفصيل.
اذ اننا لسنا على ثقة من ان جغرافية العالم العربي ستظل كما هي وان حدود سايكس بيكو التي رسمت بعد الحرب العالمية الأولى لن تخضع للتغيير، يشهد بذلك ظهور الدولة الإسلامية (داعش) بين سورية والعراق، وكذلك احتمالات التفتت الواردة في ليبيا واليمن، كما تشهد بذلك الاشارات التي تتجمع في الأفق منذرة باقامة دولة كردستان التي يتوزع شعبها الكردي على أربع دول (تركيا والعراق وسورية وإيران)، في حين وقع المحظور في السودان بانفصال جنوبه الذي نرجو ألا يكون بداية لانفراط عقد الدولة وتشرذمها، ثم لا ننسى ان فلسطين الوطن يجري محوه من الخريطة حينا بعد حين، كما ان فلسطين القضية تكاد تسقط من الذاكرة العربية.
واذا كانت معالم التشكل الجغرافي لا تزال في علم الغيب، فاننا قد لا نخطئ كثيرا اذا قلنا ان العالم العربي لم ينجح في اختبار التحول الديموقراطي، واذا كان ذلك التحول قد حدث في تونس بدرجة أو أخرى، الا ان ذلك يظل استثناء لا يقاس عليه، ولا يغير من حقيقة السمة الغالبة، وهو ما يسوغ لنا ان نزعم بان مقولة نهاية التاريخ وانتصار الديموقراطية التي بشر بها فرانسيس فوكوياما وصمويل هنتنجتون بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي، جرى تكذيبها في العالم العربي، فلا انتصرت الديموقراطية، ولا وقع الصدام بين الحضارات، لان الصدام الذي نشهده الآن هو بين أبناء الحضارة الواحدة، كذلك فان شواهد الديموقراطية تتراجع حينا بعد حين، في الوقت الذي تتنامى فيه حظوظ الكيانات المعاكسة والرافضة لها.

(2)
في القرن الماضي حسم الصراع المسلح بين الامبراطوريات والقوى الكبرى بعد حربين عالميتين داميتين أبادتا ملايين البشر، وطويت صفحة الصراع الايديولوجي بين الفاشية في ايطاليا والنازية في ألمانيا والشيوعية في الاتحاد السوفييتي، وانتصرت الليبرالية وكذلك الراسمالية بأطيافها المختلفة في نهاية المطاف، وانتهت الحرب الباردة بين القوتين العظميين (الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة) وقبلها ظهرت الأمم المتحدة مستلهمة مبادئ عصبة الأم لتكون ركيزة النظام الدولي وجهاز ادارة الخلافات، كما انتهى عصر الاستعمار المباشر، وانصرف العالم لمعالجة مجالات أخرى للتنافس وللصراع حول النفوذ السياسي والتجارة والبيئة ومواجهة الهجرات، وأحدثت ثورة المعلومات نقلة تكنولوجية ومعرفية هائلة، أصبحت مجالا للتنافس الشرس بين الدول الصناعية، وما كاد القرن ينتهي حتى أصبح للصراع شكل مختلف تماما، اذ برز دور ما سمي بالسلاح «السيبيري» الذي تمارس في ظله الحرب في وقت السلم، ويضرب المثل في ذلك بالصين التي صارت قطبا مرشحا يقابل الولايات المتحدة في النظام العالمي الجديد، آخذة مكان الاتحاد السوفييتي في القرن الماضي، ويتردد الآن بقوة ان الصين أصبحت تخوض حربا تجارية شاملة ودائمة سلاحها التسلل إلى الحواسيب الأجنبية والسطو على مخزونها، حتى قيل انها نجحت في استنساخ تصاميم المقاتلات الأمريكية، بالمقابل لم يعد سرا ان وكالة الأمن الوطني الأمريكية أصبحت تتجسس على العالم كله، ولم تستثن في ذلك القادة السياسيين (حتى الحلفاء منهم) ولا الشبكات الصينية، وفي سياق الحرب السيبيرية أو الالكترونية استطاع الأمريكيون تلويث المولدات النووية الإيرانية بجرثومة عرفت باسم «ستاكسنت»، الأمر الذي أدى إلى انتقال العدوى جزئيا إلى حواسيب غربية، وقد رد الإيرانيون على ذلك بتلويث حواسيب أمريكية على سبيل الانتقام، وهذه القدرة ذاتها باتت تمكن الطرف المتقدم تكنولوجيا من تعطيل شبكات المياه والكهرباء وشل حركة الطرف الاخر.
هذه الحروب الخفية تستمر الآن دون ان تطلق فيها رصاصة أو يسيل فيها دم، وفي حال انتقالها إلى العلن، فطائرات «الدرون» بغير طيار تظهر في الأفق، والحديث متواتر عن الاستعانة في مثل تلك المواجهات بروبوتات طائرة وزاحفة تحقق الأهداف المطلوبة.
هذه خلاصة سريعة - قد تكون مبتسرة - ترسم بعض ملامح التطور الحاصل في العالم الخارجي، الذي بات مشغولا بالتنافس في مجالات وآفاق أخرى، جعلته يكثف من الاهتمام بتفوقه وتحسين أوضاعه والارتقاء بشعوبه، وذلك أمر مفهوم ومقدر لا ريب، لكن ما لا نستطيع ان نتجاهله في ذلك انه قلل بمضي الوقت من اهتمامه بعالمنا العربي، ولم يعد يتجه اليه الا مضطرا (كما حدث في حالة ظهور «داعش» مثلا ودعوة الولايات المتحدة إلى اقامة تحالف دولي لوقف تقدمها) وفي تفسير ذلك العزوف الأمريكي والغربي نستطيع ان نورد عوامل عدة إلى جانب ما سبق ذكره، منها ان الغرب لم يعد يواجه تحديا يخشاه في العالم العربي لا من داخله ولا من قوى خارجية أخرى (كالاتحاد السوفييتي مثلا).

(3)
لقد خرج العالم الغربي من تجربة القرن الماضي مستوعبا دروس خبرته، التي كان من أهمها اقامة مجتمعات ديموقراطية قوية تجاوزت الصراعات الايديولوجية وانتقلت إلى صراعات النهوض والتقدم، في الوقت ذاته، فانها أقامت آلية لادارة خلافاتها، بحيث تتجنب تكرار مأساة الصراعات المسلحة، ومن ثم تراجع دور الجيوش التي طورت أدواتها كما سبق ان ذكرت، وباتت تؤدي مهامها خارج حدود الغرب، وازاء ذلك التراجع فان القطاع الخاص داخل على الخط بحيث تأسست شركات ومنظمات أصبحت تؤدي دور الجيوش من خلال صفقات تحرر لأجلها عقود تحدد المهام المطلوبة والمقابل المادي المقدر، وهو ما جرى العمل به في أفغانستان والعراق وبعض الدول الأفريقية، والمتداول ان بعض تلك الشركات الأمنية تمارس نشاطها في بعض الدول العربية، والخليجية منها بوجه أخص.
خلاصات خبرة القرن في بلادنا جاءت مختلفة من نواح عدة، أبرزها ما يلي:
< خرج العالم العربي من حقبة الاستعمار منهكا وضعيفا في بنيته المجتمعية وأنظمته السياسية، وبوسعنا ان نقول ان أوروبا الغربية دخلت بالديموقراطية في عصر الشعوب فان العالم العربي شهد تطورا مغايرا، اذ فشل فيه التطبيق الديموقراطي، باستثناء ومضات سريعة.. ودخل بعد الاستقلال في عصر الأنظمة والسلطات المهيمنة.
< بسبب الموقع الاستراتيجي والثروات الطبيعية التي ظهرت فيه فان خروج الاستعمار من المنطقة لم يخرجها من دائرة النفوذ الغربي، ساعد على ذلك الضعف الذي عانت منه الدول العربية، الأمر الذي نقلها من طور الاحتلال إلى طور القابلية للاستتباع، الا ان دول الهيمنة الغربية فقدت اهتمامها بالمنطقة بمضي الوقت، وأصبح حضورها فيها مقصورا على الدفاع عن مصالحها المباشرة.
< اذا كان لمرحلة الاحتلال من فضيلة فهي انه ساعد المجتمعات العربية على الاجماع على العدو المشترك الذي يتعين الاحتشاد ضده، الأمر الذي هيأ تربة مواتية لظهور خطاب ايديولوجي وطني تحدى ذلك العدو، وكانت فكرة القومية العربية هي الشعار الذي جذب النخبة السياسية بعد اقامة الدولة الحديثة، الا ان ذلك الشعار ظل نخبويا لانه ارتبط بأداء السلطة في لحظة تاريخية معينة (المرحلة الناصرية مثلا) ولم يتم تنزيله إلى المجتمع، وكانت النتيجة ان العالم العربي انتقل من طور ايديولوجية الاستقلال الوطني، إلى ايديولوجية الطوائف التي تشهد تجلياتها قوية في الوقت الراهن، فانتقلنا من القتال ضد عدو الوطن إلى القتال ضد شركاء الوطن.
< من المفارقات ان الخبرات العربية اذا كانت قد اختلفت عن الخبرات الغربية في أمور كثيرة، الا أنها اتفقت في ظاهرة تراجع الدور القتالي للجيوش، مع فرق كبير بين طبيعة ذلك الدور على الجانبين، ذلك ان الجيوش العربية أصبحت تتوزع الآن تحت عنوانين هما العجز والأمن، فبعضها يعاني من الانهيار الذي أعجزها عن ان تقوم بمهامها القتالية.والنموذج واضح في العراق واليمن وليبيا ولبنان، وهو ما حولها إلى قوى استعراضية بأكثر منها قدرة قتالية، والبعض الآخر انضم في حقيقة الأمر إلى قوى الأمن الداخلي كما هو الحاصل في سورية والجزائر ودول أخرى في المنطقة.
< بشكل مواز فان المهام القتالية الايجابي منها والسلبي أصبحت تقوم بها الجماعات الأهلية وليس الجيوش (جيش المهدي عصائب الحق أنصار الله داعش جبهة النصرة حزب الله أنصار الشريعة حماس والجهاد)، وأغلب تلك الجماعات من أصداء الحروب الايديولوجية الجديدة التي ظهرت في الفضاء العربي، وكنت قد ذكرت ان المقاومة الفلسطينية وفي المقدمة منها حماس والجهاد هي القوة الوحيدة التي تخوض المعركة ضد التحدي الإسرائيلي الأكبر الذي يهدد الأمة العربية.
< في حين انتهت الحرب الباردة بصورة نسبية في العالم الخارجي، فان العالم العربي على الأقل في صورته الراهنة دخل شكلا آخر من أشكال تلك الحرب، تؤيد ذلك التحالفات التي نشهدها الآن، التي تبلورت بشكل أوضح بعد هبوب رياح التغيير التي أشاعها الربيع العربي، فتفاعلت معها بعض الدول وقادتها دول أخرى، وفي الوقت الراهن تبدو كفة الدول الأخيرة أرجح.
< من المفارقات اللافتة للنظر في المقارنة بين الخبرتين الغربية والعربية، انه في حين صدم الغرب في آخر القرن الماضي بأحداث سبتمبر الشهيرة، الأمر الذي أطلق في محيطه بقوة ظاهرة الحساسية ضد الإسلام فيما عرف بالإسلاموفوبيا، فان الظاهرة ذاتها احتلت مكانها في الفضاء العربي في القرن الجديد، وكما ان الإعلام الغربي ظل يندد آنذاك بما سمي الإرهاب الإسلامي، فان الخطاب السياسي والإعلامي في العالم العربي لم يعد يتحدث الا عن العنوان ذاته، بنفس المفردات.

(4)
أعترف بأن ما دفعني إلى الخوض في هذا الموضوع انني خلال عطلة العيد طالعت عددا غير قليل من التقارير والتحليلات الغربية التي اعتنت بتشريح العالم العربي ومحاولة فهم ظواهره المختلفة، وكانت قضيتا الفشل الديموقراطي والإرهاب والعنف على رأس العناوين التي حظيت باهتمام الباحثين، وقد لاحظت ان أكثرهم حين ركزوا على هذين العاملين فانهم لم يربطوا بينها، ولم ينتبهوا إلى الدور الذي أسهم به تغيب الديموقراطية في اذكاء العنف وتوفير التربة المواتية له، ولم يخل بعض تلك التحليلات من طرافة، حيث قرأت في صحيفة «الحياة» اللندنية دعوة تكررت أكثر من مرة لانقاذ اليمن من أزمته من خلال تحليل كان عنوانه «الديموقراطية الليبرالية هي الحل لليمن ولغير اليمن»، ولم يستوقفني مضمون العنوان بقدر ما استوقفني انها كانت نصيحة لليمنيين، لان من أطلق الدعوة أحد الإعلاميين السعوديين البارزين.

فهمي هويدي
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
497.0036
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top