مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

{إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}

الإسلامُ هو الاستقامة الْمَشروعة

د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي
2014/10/05   10:08 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



الدعوة الَى الاسلام على وجه الاجمال وايضاح السبيل والطريق الذي ارتضاه رب العالَمين بالتفصيل لعباده الْمُسلمين لن يكون الا بكتاب الله وسنةِ نَبِيِّهِ على الفهمِ الذي سلكه سلف هذه الأمة، فيا عباد الله! ان الْمصلين فِي جَميع أَنْحاء الْمعمورة يدعون ربَّهم ليلاِ ونَهارا، سِرّا وجِهارا بطلب الْهداية والتوفيق قائلين: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} (الفاتحة: 6-7)، وهو الطريق الواضح الْمستقيم الذي سار عليه من رزقه الله الْهداية وأسبغ عليه نعمةَ الاستقامة حَتّى يكون مع الذين أنعم الله عليهم قال تعالَى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ}. والاستقامة فِي اللغةِ: هي الاصابة، وملازمة الصواب والسداد، وَانَّ العوجَ والانْحرافَ والْميلَ» خلافُ الاستقامةِ وفِي الشرع: طَريق الْهدى والنّور لا طُرق الغوايةِ والضلالِ كما جاء فِي قوله تعالَى-: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الفاتحة: 6)، وقال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمِا} (الأنعام: 153)، وقال: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ الَى صِرَاط مُسْتَقِيم} (يونس: 25)، وقال: {انَّ رَبِّي عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} (هود: 56).ومن سار على هذا الطريق واتَّخذ الاسلام الصحيح منهجا وسبيلا هو الذي يكون بين الناس مستقيما فِي الْمعتقد والعبادة والسلوك، وعلامته ملازمة الكتاب والسنة والاستقامة على أمر الله من غير عوج ولا انْحراف ولا افراط ولا تفريط، قال تعالَى: {انَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (فصلت:30)، وقال: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (هود: 112)، وقال: {فَاسْتَقِيمُوا الَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ} (فصلت: 6).واعلموا عباد اللهِ! ان الْحنيفية السَّمحة هي الاستقامة، قال تعالَى-: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُودِا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ ابْرَاهِيمَ حَنِيفِا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (البقرة: 135)، قال الطّبَريُّ فِي تفسيره: (الْحنيفُ): فانه الْمُستقيمُ من كلِّ شيء - الَى قوله - فمعنَى الكلام اذا: قُل يا مُحمدُ! بل نَتَّبع ملة ابراهيم مُستقيما.اه.
والْحنفاءِ جَمعُ حنيفي وهو كل من كان على الاستقامة والاسلام، وما كان عليه ابراهيم عليه السلام، قال تعالَى: {انَّ ابْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّة قَانِتِا لِلَّهِ حَنِيفِا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرا لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ الَى صِرَاط مُّسْتَقِيم} (النحل:120)، وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِن واتَّبَعَ مِلَّةَ ابْرَاهِيمَ حَنِيفاِ} (النساء: 125).

الاستقامةُ مَطلب شَرعي بدليلِ الكتابِ والسنة

اعلم وفقك الله ان الاستقامة مطلب شرعي بدليل الكتاب والسنة
أولا: من أدلة كتاب الله:
1 - قال تعالَى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا انَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} (هود: 112).
2 - وقال تعالَى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيما قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْم يَذَّكَّرُونَ} (الأنعام:126).
3 - وقال: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةِ تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَة لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطِا مُسْتَقِيما} (الفتح:20).
4 - وقال تعالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام: 153).
5 - وقال: {قُلْ انَّمَا أَنَا بَشَر مِثْلُكُمْ يُوحَى الى أَنَّمَا الَهُكُمْ الَه وَاحِد فَاسْتَقِيمُوا الَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ} (فصلت: 6).
6 - وقال: {انَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلا مِنْ غَفُور رَحِيم وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا الَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحِا وَقَالَ انَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت:30 – 33)
7 - وقال: {انَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم} (آل عمران:51).

ثانيا: من أدلة السنة التي تحث على الاستقامة:
1 - ما رواه أَحمد فِي مُسنده (435/1) والدارميُّ فِي سننه (78/1) باسناد جيد من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا، ثُم قال: (هذا سبيل الله مستقيما)، ثم خط خطوطا عن يَمينه، وعن شِماله» ثُمّ قال: (هذه سُبل على كل سَبيل منها شيطان يدعو اليه)، ثُم تلا: «وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله».
2 - وروى مسلم في صحيحه (38) من حديث سفيان بن عبدالله الثقفي رَضِيَ اللهُ عَنه، قال: قُلتُ: يا رسول الله! قل لِي فِي الاسلامِ قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك -أو غيرك، قال: {قُلْ آمنتُ باللهِ فاستقم}. وفِي رواية أحمد وغيره (413/3): {قل آمنت بالله ثُم استقم}.
3 - وروى ابن ماجه فِي سننه (277)، وأحمد فِي مُسنده (276/5، 280) ما صح من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تُحصوا واعلموا ان خير أعمالكم الصلاة ولا يُحافظ على الوضوء الا مؤمن).وله شاهدي رواه ابن ماجه (278) في السنن من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
ومعنى قوله: (استقيموا ولن تحصوا).قال ابن عبد البر في الاستذكار(209/1): والذي عندي في تأويل هذا الْحديث ان قوله: (استقيموا)، يعنِي على الطريقة النهجة التِي نهجت لكم، وسددوا وقاربوا» فانكم لن تطيقوا الاحاطة فِي أعمال البر كلها، ولابد للمخلوقين من ملال وتقصير في الأعمال، فان قاربتم ورفقتم بأنفسكم» كنتم أجدر ان تبلغوا ما يراد منكم، وقد ذكرنا في التمهيد باسناد عن الحسن فِي قول الله عز وجل: {عَلِمَ ان لَنْ تُحْصُوهُ} (المزمل:20) قال لن تطيقوه، قُلتُ: وهو قوله فِي التمهيد عندما فسر الاستقامة مع الاستطاعة» بالسداد والْمُقاربة (319/24): قال أبو عُمَر: قوله فِي هذا الْحديث: (سددوا وقاربوا)، يُفَسِّرُ قوله: (استقيموا ولن تحصوا)، يقول: سددوا وقاربوا» فلن تبلغوا حقيقة البر، ولن تطيقوا الاحاطة فِي الأعمال، ولكن قاربوا، فانكم ان قاربتم ورفقتم» كان أجدر ان تداوموا على عملكم. وروى فِي التمهيد عن الْحسن في قول الله عز وجل (عَلِمَ ان لَنْ تُحْصُوهُ) قال: لن تطيقوه.وقال ابن الأثير في النهاية فِي غريب الأثر (985/1): أي اسْتَقِيموا فِي كُلِّ شيء حتّى لا تَمِيلوا ولَنْ تُطِيقوا الاستقامة من قوله تعالَى-:(عَلِمَ ان لَنْ تُحْصُوهُ) أي لن تُطِيقوا عَدَّه وضَبْطَه.اهـ.
ولذا قال الْحافِظُ فِي الفتحِ (225/11): أي لن تبلغوا كُنْه الاستقامةِ.
قلت: وهذا الْمَعنَى رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337) فِي صحيحيهما مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلمَ قال: (فاذا نَهَيتكم عَن شَيء فاجْتَنِبوهُ، واذا أمرتكم بِأَمر فَأْتُوا مِنه ما استطعتم).

ثالثا: قول الصحابة:
لقد جاء عن الصحابة الْحث على الاستقامة وبيان الْمَعنى الْمراد منها، ومنه ما روى البخاري فِي صحيحه (7282) عن حُذَيفةَ رضِيَ اللهُ عنه، قال: يا معشر القُرَّاءِ! استقيموا، فقد سَبَقْتُم سَبْقِا بَعِيدا، فَان أَخذتُم يَمِينا وَشِمَالا» لقد ضَلَلتم ضلالا بعيدا.قلت: وفِي هذا بياني للاستقامة على منهج السلف من لَدُنِ مُحمد صلى الله عليه وسلم وصحابته حتى نِهاية القرنِ الثالث، نسلك الطريق الْمُستقيم الذي سلكوه، لا نسلك جِهَة مُتوسطة، ولا نبحث عن أوسطِ الطُّرقِ، بل نسير على الْخط الذي رُسِمَ لنا، لن نَحيد عنه قيدَ أنْمُلة يَمينا أو شِمالا، فسوف نقع فِي طُرُقِ الغوايةِ والضلالِ.وفي معنى (القرَّاءُ): قال الْحافظُ فِي الفتحِ (257/13):والْمُراد بِهِم العلماء بالقرآنِ والسنَّة العبَّاد.اهـ.
من رسم بالامامة في السنة والدعوة والهداية الى طريق الاستقامة بعد رسول الله امام الأئمة.

رابعا: القرون الثلاثة
سنذكر كثيرا من أهل العلم والفضل مِمّن عُرفوا بالسُّنةِ والدعوة والْهداية الى طريق الاستقامة، لَم يَنحرفوا عن الْجادة الْمُستقيمة، ولَيس فيهم من سلك طريق الأشاعرة والصوفية والفرق الباطنية، بل عُرفوا بالْحديث والسنة والأثر، دعوتُهم ظاهرة، وطريقتُهم مُعلنة، ساروا علَى اثِر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ونَهجوا نَهجه.قال اللالكائي فِي شرح أصول اعتقاد أهل السنة والْجماعة (29/1): باب سياق ذكر من رسم بالامامة في السنة، والدعوة، والْهداية الَى طريق الاستقامة، بَعْدَ رسول الله امام الأئمة.

(فمن الصحابة)
قال: (فمن الصحابة): فذكر خلقا من الصحابة منهم العشرة وعائشة وأم سلمة، وترك الكثير اختصارا، ثُم ذكر خلقا من التابعين ومن تبعهم.

(ومن التابعين ثم من بعدهم)
(ومن التابعين): من أهل المدينة: من الطبقة الأولَى ذكر جُملة من العلماء على رأسهم سعيد بن الْمسيب وعروة بن الزبير، ومن الطبقة الثانية ذكر نفرا على رأسهم الزهري، وفيهم جعفر بن محمد الصادق، ومن الطبقة الثالثة ذكر مَجموعة من أهل العلم والفضل» وعلى رأسهم مالك بن أنس امام دار الْهجرة.
ومن أهل مكة أو من يُعد منهم: عطاء، وطاووس، ومُجاهد، وابن أبي مليكة، ومن بعدهم فِي الطبقة: ذكر جُملة من أهل العلم فيهم محُمد بن ادريس الشافعي، وسفيان بن عيينة.
ومن أهل الشام والجزيرة أو من يعد فيهما من التابعين: وذكر فيهم رجاء بن حيوة، وعبد الكريم بن مالك الْجزري، ثم من بعدهم: وذكر خلقا من أهل العلم على رأسهم الأوزاعي، ثم من بعدهم: وفيهم أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الدمشقي.
ومن أهل مصر:حيوة بن شريح، والليث بن سعد، وعبدالله بن لهيعة، ومن بعدهم: وذكر مشاهير منهم: عبدالله بن وهب، واسماعيل بن يَحيَى الْمُزَنِي والبويطي، والربيع بن سليمان الْمُرادي.
ومن أهل الكوفة: ذكر ما يزيد على ثَماني وعشرين نفسا، وفيهم الشعبي، والْحَكم بن عتيبة، وسفيان الثوري، وشريك بن عبدالله القاضي، ووكيع بن الْجراح، وأبو أسامة حَماد بن أسامة، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان، وأبو كريب محمد بن العلاء الهمذاني.
ومن أهل البصرة: ذكر خلقاِ فيهم الْحسن البصري، ومُحمد بن سيرين، ومن بعدهم: ذكر جُملة من أهل العلم منهم أيوب السختياني، وسليمان التيمي، وحَماد بن سلمة، وحماد بن زيد، ويَحْيَى بن سعيد القطان، وعبدالرحمن بن مهدي، وعلي بن الْمَديني.
ومن أهل خراسان: ذكر مشاهير من أهل السنة والْحديث فيهم عبدالله بن المبارك، ونعيم بن حماد، واسحاق بن ابراهيم بن مخلد المعروف بابن راهويه، ومحمد بن نصر المروزي، ومُحمد بن يَحيَى الذهلي، ومُحمد بن اسماعيل البخاري، ويعقوب بن سفيان الفسوي، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عبدالرحمن النسائي، ومحمد بن عيسى الترمذي، ومحمد بن اسحاق بن خزيمة.
ومن أهل الري: ومن أعلامهم الرازيان: أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي، وأبو حاتِم مُحمد بن ادريس الْحنظلي، وفي الطبقة التي بعدهم: ابنه عبدالرحمن بن أبي حاتِم.
وذكر غيرهم من أهل الْموصل وطبرستان.
ذكر اللالكائي رحمه الله دعاة الاستقامة وحَملة العلم وأرباب الشريعة، ورواة الْحديث، وحراس العقيدة، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فلا يوجد بلد قد ظهر فيه العلم وانتشر» الا ودعاة السنة والاستقامة والْمعتقدات السليمة» هم أهل الديانة والعلم وحَملة لواء السنة، يُحاربون البدع وكل مُحدث فِي الدين من الْمُعتقدات والأقوال والأفعال، لذا فلا غرابةَ ألا تَجد فيهم من تلفظ أو جعل ديدنه هذه الْمُفْردة الْمُنكرة، ودعا الَى الوسطية الْمحدثة فِي ذلك الزمان.

هل الوسطيةُ مَطلب شَرعي؟!
أين الدليل من كتاب الله؟ بالنص والبرهانِ على ان الوسطية مطلوبة شرعا فِي الْمُعتقدات والعبادات والْجواب: لن تقف على شيء من ذلك، وقال الله فِي مُحكم التنزيل: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} (الأنعام: 38)، وقال: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} (النحل: 89) أي: ما تركنا شيئا من أمر الدين» الا وقد دللنا عليه في القرآن، اما دلالة مبينة مشروحة، واما مُجملة يُتلقى بَيانُها من الرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالَى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر: 7).

الوسطيةُ وجَمع شَمْلِ الانسانيّة

فأين الأدلة والبراهين؟! حتّى نتفق ولا يثار خلاف بين الْمسلمين بِمفردات شَاذَّة ظاهرها مَجهول وباطنها ظلمات وأنفاق، لكل ديانة نفق، ولكل ملة نفق، ولكل فرقة نَفَق، ولكلِّ طائفة نفق، أنفاق تنتهي الَى نفق كبير» ونفق الوسطية مَجمع الأنفاق» هِيَ التِي جَمعت شَملها، وقَرَّبَتْ بَين مُتَفرقها، وَآلفَتْ بين مُخْتلفها، فهل الوسطية معنَى لِجَمعِ شَمْلِ الانسانية؟! اننا لَم نقف على شيء مُحرر يُعَرّفُ الكفرَ، ويُحددُ موقف الْمُسلمين من الكفار، ولَم نر بَحثاِ فِي الطوائف والفرق مبيناِ موقف أهل السنة والْجماعة من مُختلَفِ الْمِلل والنحل» حَتَى يَتَسَنَّى لنا ولكل الباحثين عن الْحقِّ» مَعْرِفَة هَويةِ الوَسَطِيِّيْن، اننا نقول وبأعلى صوت: لا لِجمع الناس الا لعبودية الله الواحد القهّار تَحتِ رايةِ التوحيدِ» طاعةِ لله ولرسوله، ولنا ما رواه البخاري في صحيحه (7281) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله تعالَى عنهما، يقول: جاءت ملائكةُ الَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو نائم، فقال بعضهم: -الَى قوله-: فمن أطاعَ مُحمدا صلى الله عليه وسلم» فقد أَطاعَ الله، ومن عصى مُحمدا صلى الله عليه وسلم» فقد عصى الله، وَمُحمد صلى الله عليه وسلم فَرْق بَيْنَ النَّاسِ.وَفِي رواية في الصحيح: فَرَّقَ بين الناسِ.

تَسويقُ الوسطيةِ والدَّعوةُ الَى الْمَجهول

وأين الدليل من سُنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الذي أُوتِي جَوامعِ البيانِ والكلم، والدليل ما رواه البخاري (7013) ومسلم (523) في صحيحهما مِنْ حَدِيثِ أَبِي هريرة رضِيَ الله عنه، عن رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسلم أَنَّهُ قال: «أُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ».وكان رحيما بأمته ما ترك لفظا ومعنَى يُقَرّبُها الَى الْخير» الا ودل أمته عليه، وبَيَّنَهُ بِأَفضلِ عبارة وأَجْملِ سِياق.فالعجب كل العجب! من جرأة البعض علَى تسويق مفردة الوسطية، ودعوة الناس الى الْمَجهول...كيف يطالبنا الوسطيون بأن نسلك أوسط الطرق؟! أيها الوسطيون! طالبونا بالواضح الْمبين، وبِما شُرِع بالبراهين» حتّى نستجيب لدعوتكم، فالطريق الذي يُبْنَى على تأصيلي صحيح» نسلكه بلا شك أو تردد وبالله نستعين.سَمّوا لنا رِجالكم...فالوسطيةُ شَجرة لا أصل لَها!بَحثنا عن دليل عن الوسطية ونص من كتاب الله فَلم نقف على شيء، وكذلك فِي السنة سواء كان ذلك فِي كُتُبِ الْحديث الْمَعروفةِ أو الكتب التِي صنفت فِي مسائل الاعتقاد (كتاب السنة لعبدالله بن حنبل، والسنة للبربَهاري، والسنة لابن البناء، والسنة لابن أبي عاصم، والشريعة للآجري) وغيرها كثير.والذي وجدناه» ان القول: بالاستقامة له مرجع، فالأدلة كثيرة فِي الكتاب والسنة، وأقوال الْمُتقدمين والْمُتأخرين من علماء الأمةِ، والقول بالوسطية» لا يوجد له مرجع من نصوصِ الكتاب والسنة، وأقوال سلف الأمة.وحيث لا دليل ولا برهان فِي الْحديث والقرآن، فَسَمّوا لنا رجالكم الذين قالوا بِهذه الْمَقالةِ، وقاموا على اطلاق عنوان الوسطية (جامع السلوك الانساني) على اختلاف الديانات، فلا وسط فِي الْمعتقدات والعبادات» بل الاستقامة على الاسلام، والوسط يكون فِي العادات الانسانية، والسلوك البشري، من نوم وأكل وكلام وغيره، بعيدا عن العقيدة والعبادة، فهو الذي يطلب فيه التوسط، وعليه يَجتمع فِي هذا الوسط الذي ذهبوا اليه» كافَّةُ الناسِ من يهود ونصارى، وهندوس ومَجوس وغيرهم.

الوسطيةُ دين فَرْد وليس دين أمة شُرِعَ بالكتابِ والسنة

ولقد وجدنا ان الوسطيةَ شجرة لا عروق لَها، والْهوية مفقودة فِي القرون الثلاثة» قرون الْخير التِي جمعت التقدم والفضل، واعلموا أنه لَم يناد أحدُ العلماء بِهذه الدعوة، ومرت القرون، القرن تلو الآخر، حتَّى جاوز أربعة عشر قرنا، ورغم بروز الْمشاهير من العلماء» الذين تَمَيَّزوا بالذكاءِ والْجد والاجتهاد، والفطنةِ، والتَّفَنن فِي اختيار الألفاظ والْمفردات، التِي تُعين على فقهِ الدينِ، وفهم الكتاب والسنة، وتقريب العبارات الَى الأذهان والعقول، بل كان فِي الأمة علماء كالْجبال، برعوا فِي العلوم ذاتِها وآلاتِها وما تركوا شيئا من أمرِ الدينِ الا وضربوا فيه بسهمِ البيانِ والتسهيل، ومع ذلك لَم نر أحدا من هؤلاء العلماء يطلق صيحةَ الوسطية» منقذا للأمة من الاخفاقات التِي مرت بِها.
والبين أنه لا يقول بِها الا الْمؤسس الْمُعاصر، فأصبح فهم الْمعنَى منه واليه، ومُحاولة الْحكم والتقييم أمر عائد الَى الْمُؤسس ومالك التنظير.فلا كتاب الله ينصر الوسطية ولا فِي سنة رسوله ما يشفع للْمَذهب الْجديد، وعلماء الأمة لَم يكلفوا الدخول من سَمِّ الْخياطِ لفهم دين السماحة والرَّحَمة.وفي الْخِتامِ عند التنازع نَجد ان الاستقامة تستند الى وفرة من الأدلة والبراهين التي تكشف مبناها وتحرر معناها ولا نَجد للوسطية مرجعا من كتاب الله أو سنة نبيه أو قول صاحب وما الدين الا ذاك لا نَجد الا ما أطلقه الْمُؤسس الْمُعاصر، وسَوّق له، وأذاعه، وابتكاره من بنات أفكاره، نراه دينَ فَرْد وليس دينَ أمة شُرِعَ بالكتابِ والسنة.

د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي
www.ahlalathar.com
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 
مقالات ذات صلة بالكاتب


الاستهزاءُ بالرسولِ صلى الله عليه وسلم.. قضية وتاريخ
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  18/01/2015 09:24:29 م


ما الموقف من كلام فلانٍ في فلانٍ علماً ان المُتَكلِم والمتكلم فيه، من أهل السُّنة والجماعة؟
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  11/01/2015 09:38:58 م


الأعياد هوية الأمم فحافظوا على الإسلام
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  04/01/2015 09:14:25 م


هل الشرع مبناه على «الظن» أو«العلم واليقين»؟
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  28/12/2014 08:57:13 م


هَلْ نَعيشُ أَزْمَة أَخْلاقيَّة؟!
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  21/12/2014 08:56:05 م


«وأد الفتنة قبل انتشارها فإنّ الشعب إذا صلح بالضرورة ستصلح الحكومة»
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  14/12/2014 09:39:12 م


أثر الألفة والمخالطة في الانحراف عن الحق
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  09/12/2014 11:11:41 م


«السلفية» وتشويه العابثين
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  23/11/2014 11:49:39 م


تصوّر لا يحترمون ابن باز؟!
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  17/11/2014 09:35:44 م


أيها السلفي! كن رجلاً شجاعاً فلا تجبن ودارِ الناس ولا تداهن
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  02/11/2014 09:39:10 م

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
715.0003
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top