مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

اضاءة

الإقصاء لمعالجة «الإقصاء»!

فاخر السلطان
2014/02/05   10:13 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image

ما يتصف به بعض علمانيينا هو انفصالهم عن مبادئ الليبرالية خاصة فيما يتعلق بتعددية الحقوق


نؤكد مجددا أن ثقافة الاقصاء ليست صفة محتكرة للتيار الديني فقط، بل الكثير من العلمانيين يتصفون بذلك أيضا. فهناك دور اقصائي واضح وصريح من قبل العديد من العلمانيين ضد أنشطة التيار الديني بمبرر مواجهة الاقصاء. أي أنهم يتبنون الاقصاء من أجل معالجة الاقصاء، ومن أجل الدفاع عن الديموقراطية. هل هناك تناقض أكثر من ذلك؟ مبرّر هؤلاء واضح: من يواجه المواقف الحكومية المناهضة للديموقراطية، هو أسوأ من الحكومة في مناهضة الديموقراطية بل وفي مناهضة مجمل الحريات الفردية. لكن، أين هي المسؤولية التي تحمّلنا اياّها الديموقراطية والمتمثلة في ضرورة احتواء جميع الأطراف، الحكومية والدينية والليبرالية والتقدمية والقومية والمذهبية، دون سعي طرف لاقصاء طرف أو أطراف أخرى؟.
حينما نسمع عن مساع شعبية (لا حكومية) لاقصاء طرف سياسي ديني (كجمعية الاصلاح الاجتماعي) عن طريق اللجوء الى القضاء، فنحن هنا أمام نقطتين لا صلة لهما بالثقافة الديموقراطية: الأولى، هي السعي الى «إلغاء» خصم سياسي بدلا من «التعايش» معه و«التغلب» عليه عن طريق آليات الديموقراطية. الثانية، هي اختيار طريق القضاء لمارسة هذا الالغاء، في حين يُفترض ان القضاء ملاذ ضد مختلف صور الالغاء وبيت للدفاع عن الحريات بمختلف صورها.
الكثير من الأطراف السياسية، الدينية والعلمانية، ملتئمة في صورة تحالفات متباينة فكريا لكنها متفقة على بعض الأولويات السياسية. نجد شواهد ذلك في العديد من الدول المجاورة الساعية معارضاتها وتحالفاتها الى اختراق أفق الانسداد المانع لحركة التغيير والاصلاح الديموقراطي، باعتبار ان ذلك هو الهدف الرئيسي الذي يتفق عليه الساعون للتغيير. وحينما ينفتح هذا الأفق، تنفتح معه صور مختلفة من الحلول ومن المشاريع التي تتنافس في ما بينها في اطار آليات الديموقراطية التي ظهرت بفعل عملية التغيير.
هذا المؤشر نشاهده بوضوح في المشهد السياسي الكويتي، الذي التأم فيه الديني والعلماني، سواء في الوقوف الى جانب السياسات الحكومية، أو في تبني الحراك التغييري في سبيل الوصول الى واقع ديموقراطي متقدّم. ويقف في مقدمة من يتبنى هذا الحراك جمعية الاصلاح الاجتماعي. إذاً، هل مساعي اقصاء الجمعية يخدم حراك التغيير أم يخدم المواقف الحكومية في الابقاء على الوضع السياسي كما هو ورفض أي تطوّر في آليات العمل الديموقراطي؟.
ما يتصف به بعض علمانيينا هو انفصالهم عن مبادئ الليبرالية، خاصة ما يتعلق بتعددية الحقوق. هُم علمانيو الرأي الواحد، ما جعلهم يعادون أي توجّه آخر تشتم منه رائحة دينية ويقصونه بكل سهولة ويسر، حتى لو كان هذا الآخر أكثر قدرة من الحكومة على تبني مواقف تعزز الديموقراطية وآلياتها. وما أدى بهم الى تبني هذا الموقف هو الخوف على الحريات الفردية، فاختاروا الموقف السلطوي المدافع (راهنا) عن بعض تلك الحريات، وفضّلوه على الحراك التغييري.
هُم مارسوا الاقصاء في سبيل الدفاع عن الحريات، أي تبنوا موقفين متناقضين في نفس اللحظة دفاعا عن هذا المبدأ. لكنهم لم يلتفتوا الى الموقف الحكومي المعارض لمختلف صور الحريات الأخرى من سياسية واقتصادية واجتماعية، وكأن الحريات الفردية هي الوحيدة التي يجب الحرص على حمايتها، وكأن هناك سؤالا يبقى مطروحا باستمرار من دون اجابة: الى متى يجب ان يميّز المدافعون عن الحريات الفردية، بين مواقف حكومية تعادي مختلف صور الحريات، وبين مواقف لتيارات دينية تعادي أو تتجاهل الحريات الفردية لكنها تقف الى جانب الحريات الأخرى؟ أيهما يخدم التغيير الديموقراطي على المدى البعيد، معاداة التيارات الدينية المنضوية في تحالف مع العلمانيين من أجل قيادة حراك تغييري ديموقراطي، أم دعمها ومواجهة كل من يقف ضد تطوّر آليات العمل الديموقراطي سواء كان حكوميا أو دينيا أو علمانيا؟.
إن السعي لتطوير آليات الديموقراطية والمحاسبة والنقد هو الضمان الوحيد للدفاع عن مختلف صور الحريات سواء كانت فردية أو غيرها. في المقابل، فإن الفكر اﻹقصائي هو واحد سواء كان دينيا أو علمانيا. لذلك، أستغرب ان يعاب على الفكر الديني اقصائيته ويمارس العلماني الشيء نفسه. فالاقصاء هو حل مؤدلج وقع في فخه اعداء الآيديولوجيا دون ان يعلموا، هو مسعى مضلّل لتصوير جميع التيارات الدينية بأنها تقف على مسافة واحدة من مختلف صور الحريات. لكننا نعلم جميعا بأنه لا يمكن في هذا الاطار - مثلا - مقارنة تنظيم القاعدة ومن هو على شاكلته بتنظيم الاخوان المسلمين، فالأول له دستوره الخاص وأدبياته وآلياته الخاصة، فيما الثاني يخوض منافساته السياسة بصورة مدنية وفقا لما يمليه عليه الدستور المدني.
مثلما يحتاج الخطاب الديني الى خطاب جديد متصالح مع الحداثة، لابد للخطاب العلماني ان يعيد النظر في بعض أدبياته المعادية للخطاب الديني وللتيار الديني، يحتاج الى ان يعيد نظر في صورته الإلغائية، أي لابد ان يتبنى خطابا متصالحا مع التيار الديني السياسي/ الاجتماعي. وهذا التصالح ليس بمعنى خلط الأوراق، أو تداخل التشريعات، أو تنازل العلماني للديني خشية من عواقبه، بل يعني القدرة على التعايش بين الاثنين بحيث تتوضح حدود كل جهة، حتى لا تفقد العلمانية دورها المركزي في تنظيم الحياة، ولكي لا يفقد الدين بريقه الروحي وتأثيره الايماني ويتحول الى شأن وصائي استبدادي ينهل من التاريخ دون مراعاة لتطور الحاضر وتغيّره. واذا ما أراد خطاب التيار الديني ان ينهل من الحاضر، فإن الحاضر هو الآن في عهدة المدرسة العلمانية بجميع تفرعاتها وتخصاصاتها، فإما ان يصبح التيار الديني ذا فهم حديث ليكون صالحا للزمان ويصبح أحد العناصر المنتمية للمدرسة العلمانية، واما ان يقبل بالرؤية العلمانية التي لا تسعى بتاتا لمعاداة الدين بل تسعى لتحريره من هيمنة العقلية التاريخية الوصائية.

فاخر السلطان
fakher_alsultan@hotmail.com
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
332.0097
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top