مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

اختلاف المفاهيم

الراسخون في العلم والذين في قلوبهم زيغ

د.عبدالرحمن الجيران
2014/01/07   09:19 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



أثنى الله تعالى في كتابة على الراسخين بالعلم ووصف لنا حالهم ومآلهم وانهم في ذلك كله يطلبون من الله تعالى الهدايه بقولهم {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ اذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ۚ انَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} آل عمران 8 وهذا يؤكد لنا اهمية طلب الهداية من الله تعالى، وخاصة في مواطن الشبهات حيث دعوا الله تعالى ألا يميل بقلوبهم عن الهدى بعد اذ كانت عليه، وسألوه سبحانه الا يكونوا كالذين زاغو فازاغ الله قلوبهم، وطالبوه الثبات على هذه الهداية الى ان يلقوه سبحانه.
والرسوخ في اللغة هو الثبات والتمكن وعدم التغير أو التحول والرسوخ في العلم نعمة من الله عظيمة يمن بها من يشاء من عباده. والراسخون في العلم قلة ولاسيما في آخر الزمان في مقابل الذين في قلوبهم زيغ الذين يتبعون المتشابه من القرآن لقصد اضلال الأتباع وأيهامهم أنهم يرجعون الى القرآن؟ مثلما نطق النصارى بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه؟ وتركوا الاحتجاج بقوله {ان هُوَ الا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} الزخرف 59 وقوله {ان مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} آل عمران 59.
وجاء في صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم (فاذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عني الله فاحذروهم) قال تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ الا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ الا أُولُو الألْبَابِ} آل عمران 7، وهذا التأويل الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية ليس هو العلم الباطني الخاص الذي يزعم أتباع الباطنية والمجوسية والمزدكية انه خاص بأئمتهم ولا يعلمه عوام الناس؟ انما المراد بالتأويل هنا كما ذكره أهل العلم أنه التفسير والبيان والتعبير على الشيء مثل قوله تعالى (نبأنا بتأويله) أي تفسيره وهنا تكون القراءة بالوقف عند (والراسخون في العلم) لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار وان لم يحيطوا علماً بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه.
والقول الثاني بمعنى التأويل بمعنى معرفة حقائق الأشياء وما يؤول اليه الأمر ومنه قوله تعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ الا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} الأعراف 53، أي حقيقة ما أخبروا به من أمر الآخرة وأحوال يوم القيامة، وهنا تكون القراءة بالوقف على لفظ الجلالة لأنه سبحانه وحده الذي يعلم حقائق الأمور ومآلاتها وأما الراسخون في العلم فيؤمنون بالجميع المحكم والمتشابه.

الشذوذ عند أهل الحديث:
تنوعت عبارات المحدثين في تعريف الشاذ ورسمه فقد قال الشافعي: هو أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس.
وقال الحاكم: هو الذي ينفرد به الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس.
وقال الحاكم: هو الذي ينفرد به الثقة وليس له متابع.
وقال الخليلي والذي عليه حفاظ الحديث إن الشاذ ما ليس له الا اسناد واحد.
وهذه التعاريف منها المضيق ومنها الموسع والأصوب ما ذهب اليه الشافعي لأننا لو قلنا ببقية التعاريف لرددنا أحاديث كثيرة في السنة المطهرة من هذا النمط.
والشذوذ مصطلح شاع بين علماء الشريعة كالفقه والتفسير واطلاقاتهم للشذوذ بحسب كل علم وفن وقد تكون نسبية وقد تكون عامة.
ومثال الشذوذ في المذهب وهو شذوذ خاص لأهل المذهب كقول النووي: «يحرم على المحدِث مس المصحف وحمله سواء ان حمله بعلاقته أو في كمه أو على رأسه وحكى القاضي حسين والمتولي وجهاً أنه يجود حمله بعلاقته وهو شاذ في المذهب وضعيف» ومثال الشذوذ مطلقاً في جميع المذاهب مثل قول ابن قدامة المقدسي: «قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على ان دية المرأة النصف من دية الرجل وحكى غيرهما عن ابن عليه والأصم - وهما من شيوخ المعتزلة الكبار – أنهما قالا ديتها كدية الرجل.. ان ان قال وهذا قول شاذ يخالف اجماع الصحابة وسنة النبي صلى الله عليه وسلم» أ.هـ.

الأقوال الشاذة في الفقه

القول الشاذ في الفقه هو المتفرد بقول مخالف للحق بلا حجة معتبرة وجاء تعريف الشاذ في اللغة: إنه المنفرد عن غيره أو الخارج عن الجماعة والشذوذ بهذا المفهوم مذموم باجماع أهل العلم وعند الفقهاء الشاذ هو المقابل للمشهور أو الراجح أو الصحيح أو الأصح أو الأظهر بمعنى ان الشاذ هو الرأي المرجوح أو الضعيف أو الغريب. قال النووي: «قد يجزم نحو عشرة من المصنفين بشيء وهو شاذ بالنسبة الى الراجح في المذهب ومخالف لما عليه الجمهور» وعلى هذا القول نجد ان كثيراً من الأقوال المبثوثة في كتب الفقه تعتبر شاذة جرياً على هذه القاعدة وهنا تأتي وظيفة العلماء وطلاب العلم السائرين على الكتاب والسنة وذلك بمتابعة هذه الأقوال وحصرها وبيان ضعف مأخذها ومدركها مع توضيح الرأي الراجح الأسعد بالدليل والحكمة في ذلك لنسد الباب على أصحاب التلفيق بين المذاهب المتخيرين من أقوال الفقهاء بحسب أهواءهم ورغباتهم.
والشذوذ في القانون هو مخالفة الفطرة السليمة حيث اعتبر القانون العلاقة الجنسية بين اثنين من جنس واحد جريمة وانحرافا عن الفطرة التي جبل عليها البشر.وهذه العلاقة محرمة في التوراة والانجيل والقرآن بل هي سبب هلاك قوم لوط الذين جاء ذكرهم في القرآن ولم تعذب أمة من الأمم بمثل ما عذب به قوم لوط لشناعة هذه الجريمة ولا وزن لمن يقول إنها من باب الحريات الخاصة أو الحقوق المدنية لأن هذا انحراف يجر وراءه بلاء ودمار للقيم وللمجتمعات والأمم.

الراسخون في العلم والرد على المخالف:

لقد قام الراسخون في العلم الذين أثنى الله تعالى عليهم في القرآن الكريم بواجب بيان الحق والرد على أهل الزيغ والضلال الذي يسعون لتغيير الاسلام وضغطه ليتلاءم مع الواقع ومتطلبات العصر ويلوون أعناق النصوص لتوافق أقوالهم الشاذة وفي عالمنا الاسلامي اليوم أقوال جنحت الى الشذوذ أو نحت الى مذهب جديد في النوازل لم يكن عليها عمل السلف الصالح فيما مضى على الرغم من كثرة المدلهمات التي نزلت في ذاك الزمان.

النوازل أمام الراسخين في العلم:

الأول: الثورات
لقد تسلط الكفار على المسلمين وبلادهم وأعراضهم وأموالهم وعقائدهم وأخلاقهم وذلك من خلال الطوائف والنحل التي ترفع شعار الاسلام في الظاهر فيثيرون من خلالهم الفتن عن طريق رايات الحرية والكرامة وحقوق الانسان وغيرها، ولا زال الراسخون في العلم ينصحون الأمة بالتمسك بالسنة والتي فيها بيان لكيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشروط الخروج على الأنظمة ولكن هيهات ان يسمع لهم الناس وخاصة ان العوام هم الذين يفتون في النوازل؟ والذين في قلوبهم زيغ.

الثاني: الأحزاب:
والخطر الثاني أمام العلماء تفشي ظاهرة الأحزاب التي سيطرت على قلوب شباب المسلمين فجعلتهم يسيرون خلفها دون وعي أو استبصار بحقيقتها قال تعالى {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} الروم 31-32، ولا زال المسلمون يطالبون بانشاء الأحزاب ويتسابقون لتسجيلها والاعتراف بها في دولهم ضاربين عرض الحائط بقواعد الشريعة المستقرة وتاريخ الأمة الطويل بوجوب الاعتصام بالكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة ونبذ شعارات الجاهلية التي أنقذنا الله منها، وها هي الاحزاب تعمل عملها في بلاد المسلمين فتفرق الصف وتصدع الكلمه وتجرها الى الدمار!

الثالث: الجدل العقيم:
الجدل والمجادلة بالباطل ذمها القرآن الكريم وهي على أنواع: فمن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ومنهم من يجادل لدحض الحق ورده قال تعالى {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} غافر 5، ومنهم من يجادل في الحق بعدما تبين له.قال تعالى {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ الَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} الأنفال 6، ومن الناس من يجادل فيما ليس له به علم الا اتباع الظن قال تعالى {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} آل عمران 66.
فهذه الأنواع من المجادلة بالباطل حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم والعجيب أنها اليوم تستهوي أفئدة الشباب فراحوا يتتبعون الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي بتتبع الردود والاغراق في الشبهات دون علم ودون الرجوع الى أهله فضاعوا في بيداء الضلالة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ولهذا جاء كلام السلف في ذم الجدل الذي يقود الى المراء والى التنابز بالألقاب والتراشق بالألفاظ وأورد الامام اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد باباً وسمه ب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم والمكالمة معهم والاستماع الى أقوالهم المحدثة وآراءهم الخبيثة.
وعقد ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله باباً اسماه باب ما يكره فيه المناظرة والمجادلة والمراء وجاء في ذم هذا النوع من الجدال حديث واضح الدلالة وهو قوله صلى الله عليه وسلم «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه الا أوتوا الجدل» رواه أحمد.
وهذه الشبهات التي يروج لها أصحاب الكلام قد تكون من القوة بحيث لا يقوى على نقضها إلا العلماء الراسخون في العلم قال شيخ الاسلام ابن تيمية: «والمقصود هنا ان السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته والجواب عما يعارضه وان كانوا في ذلك درجات وليس كل منهم يقوم بجميع ذلك بل هذا يقوم بالبعض وهذا يقوم بالبعض كما في نقل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من أمور الدين) أ.هـ ويزيد الأمر وضحاً بقوله: «ليس كل ما عرفه الانسان أمكنه تعريف غيره به، فلهذا كان النظر أوسع من المناظرة، فكل ما يمكن المناظرة به يمكن النظر فيه وليس كل ما يمكن النظر فيه يمكن مناظرة كل أحد به) أ.هـ وعلى هذا الأساس يمكننا القول ان النوازل والمدلهمات والحوادث المستجدة تجري عليها هذه القاعدة عند العلماء الراسخين في العلم فقط بمعنى أن النظر في قواعد الشريعة وأصولها المستقرة وباستقراء السنن والمثلات التي مضت في الأمم السالفة أوسع وأرحب من المناظرة والمجادلة في نازلة حدثت أو فاجعة ألمت.
وثانياً هذه النازلة يمكننا امعان النظر فيها واستقراء مقدماتها وما لازمها وما تخلف عنها ونتج منها وبهذا يكون البحث فيها موضوعياً لا شخصياً ولا تشفياً ولا تصيداً للأخطاء، ويسهل معرفة الحق بدلائله لا بقائله فهل يعي ذلك شباب الصحوة اليوم؟


د.عبدالرحمن الجيران
Dr.aljeran_wk@yahoo.com
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
1367.0009
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top