الأربعاء
15/04/1447 هـ
الموافق
08/10/2025 م
الساعة
09:56
إجعل kuwait.tt صفحتك الرئيسية
توقيت الصلاة
الفجر 4:26
الصفحة الرئيسية
إغـلاق الوطـن
محــليــات
مجلس الأمة
الجيل الجديد
أخبار مصر
أمن ومحاكم
الاقتصاد
خارجيات
الرياضة
مقالات
فنون
المرأة
منوعات
الوفيات
اتصل بنا
منوعات
A
A
A
A
A
http://alwatan.kuwait.tt/articledetails.aspx?id=315628&yearquarter=20134&utm_source=website_desktop&utm_medium=copy&utm_campaign=articleshare
X
الأزمنة والأمكنة
الشعر في أجواء الأندلس (1)
2013/11/05
04:31 م
شكرا لتصويت
التقيم
التقيم الحالي 5/0
الأندلس…
ذلك الفردوس المفقود الذي خرج من أيدي العرب بعد أن أمضوا فيه ثمانية قرون، ملأوه خلالها علما وفنا وأدبا وشعرا ولايزال ما عَمَّروه هناك مضرب الأمثال، ومازال ذكر أطبائهم على كل لسان، كما إننا لانزال نردد أشعار شعراء تلك الحقبة التي مضت، ونذكر البلاد التي فقدت بسبب التنازع، وعدم الوفاء بالعهود، وبسبب التعاون مع الغريب الذي لا يريد الخير بقدر ما يريد مصالحه، وقد جار وبطش بأبناء الأندلس بعد أن تمكن منهم ومن بلادهم.
نحن في الكويت نذكر الأندلس دائما. وأدل شيء على ذكرنا لها التسميات التي أطلقناها على بعض الأماكن وعلى بعض الطرق والمدارس. فنحن نرى بيننا منطقة الأندلس وغرناطة وقرطبة. ونرى مدرسة طليطلة ومدرسة اشبيلية، أما من أسماء الشوارع فهناك إلى عهد قريب شارع الوزير الأديب لسان الدين بن الخطيب في منطقة الشعب، وشارع الأندلس في كيفان، وابن رشد في حولي وشارع التلمساني صاحب كتاب نفح الطيب، وطارق بن زياد بطل فتح الأندلس في منطقة السرة، والشاعر الحسن بن هاني في منطقة الفيحاء. وغير هؤلاء كثير من الأسماء التي بزغت في سماء الأندلس.
وهكذا نرى أن الكويت لم تنس ذلك الفردوس المفقود فهي تذكره بكل سبيل، وتاريخ هذه البلاد يدرس بتفصيل شامل في مختلف المقررات المدرسية. ولذلك فإننا لا نستغرب حينما نرى عددا من شعرائنا يذكرون الأندلس، ويتغنون بمآثرها وآثارها. ولا نرى ما يوجب الاستغراب حين نرى شعراء العرب الآخرين من المعاصرين يقومون بالدور نفسه، فيذكرون ذلك الوطن العربي الذي وضع أهله في تاريخ العروبة بصمات لا يمكن ان تنسى.
٭٭٭
والأندلس منطقة ذات طبيعة جبلية تضم هضاباً في جنوب اسبانيا، وفي سنة 1833م قسمت اسبانيا المنطقة العربية السابقة إلى عدة مقاطعات هي: المريا، وغرناطة، وجيان، ومالقه، وقادس، وقرطبة، وجويلبا، واشبيلية، وكلها مناطق مذكورة في التاريخ العربي الأندلسي بأسمائها هذه.. ومساحة الأندلس تزيد عن سبعة وثمانية ألف كيلومتر، ومعظم سكانها الذين يصل عددهم إلى ستة ملايين ونصف المليون نسمة يعيشون في المناطق الريفية التي تكثر فيها الزروع. وكانت أشبيلية هي العاصمة القديمة للأندلس. وكل هذه المنطقة لها شهرة واسعة في جمال الأرض والمناخ.
تحدث يا قوت الحموي عن الأندلس في كتابه «معجم البلدان»، وأفاض في ذلك من الناحيتين الجغرافية والتاريخية، وكل ذلك كان تحت عنوان: «الأندلس» ثم لم يكتف بذلك، فأورد في مواقع أخرى من كتابه ذكر عدد كبير من المدن الأندلسية المشهورة مثل قرطبة وغرناطة وبلنسية واشبيلية، فتحدث عن كل واحدة منها من جميع الجوانب، ولو التقطنا كل ما كتبه عن الأندلس وعن مدنها لاجتمع لنا كتاب كبير يغني عن البحث في المراجع الأخرى.
ومما قاله ياقوت: «أما الأندلس فجزيرة كبيرة فيها عامر وغامر، طولها نحو الشهر، في نيف وعشرين مرحلة، تغلب عليها المياه الجارية والشجر، والرخص والسعة في الأحوال».
ثم يمضي ياقوت في وصفه الدقيق لهذه البلاد إلى أن يصل إلى آخر ما كتب، وهو قوله: «ولولا خوف الإضجار، والإمْلال، لبسطت القول في هذه الجزيرة فوصفها كثير، وفضائلها جمة، وفي أهلها أئمة، وعلماء، وزهاد، ولهم خصائص كثيرة، ومحاسن لاتحصى، وإتقان لجميع ما يصنعونه».
ونجد فيما كتب حديثاً عن الأندلس؛ أن الموسوعة العربية الميسرة قد أوردت ذكر هذا البلد السليب في طبعتها الثانية (المجلد الأول ص342). وقد جاء فيها أن الأندلس إقليم كبير ذو مساحة كبيرة يقع في جنوبي غربي اسبانيا على البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلنطي. وأنه مخترق بالجبال، يمر به نهر الوادي كبير، ومناخه شبه مداري، تتميز بعض اجزائه بالخصوبة فهي تنتج الفواكه والحبوب والزيتون وقصب السكر، وتربى فيها المواشي، وفي أراضيها عدد من المعادن كالنحاس والرصاص والزنك والحديد.
بدأ التفكير في فتح الأندلس منذ تولي موسى بن نصير حكم المغرب في سنة 89هـ (707م) ولقد اهتم هذا القائد بمسألة الأندلس اهتماماً كبيراً، وبدأ عمله هذا بغزو عدد من الجزر والمراكز المتاخمة مثل صقلية وسردينيا وغيرهما، ثم تقدم إلى سبتة التي كانت حصينة صعبة الاختراق، فلم يجد إلا تلبية نداء حاكمها بالصلح، على أن يساعد هذا الحاكم المسلمين في اجتياح الأندلس، وتم ذلك، حيث توجه طارق بن زياد بأمر من موسى بن نصير إلى ذلك، فعبر المضيق من طنجة إلى الجبل الذي أطلق عليه اسم: جبل طارق، ولا يزال هذا الاسم ساريا عليه حتى اليوم. وبعد ذلك قسم جيشه إلى أربع فرق احتلت الأولى منها مدينة قرطبة، واحتلت الثانية مدينة غرناطة، أما الثالثة فاحتلت مدينة مالقة، وكانت الفرقة الرابعة بقيادة طارق بن زياد نفسه، فقامت باحتلال طليطلة، ومن هنا بدأ الزحف على كامل الأندلس.
وكان بدء أعمال الفتح في سنة 92هـ (711م).
وقد استتب الأمر للمسلمين في تلك البلاد، وصارت لهم فيها أعمال مهمة أشرنا إليها قبل قليل، ثم نزحت إلى هناك أعداد من أبناء القبائل العربية كان منهم كثير من القبائل اليمنية الأصل التي كانت تناصر الأمويين فنزحت بعد سقوط دولتهم إلى هذا المكان النائي عن سلطة الدولة العباسية الجديدة. ولم تباشر هذه الدولة الأعمال في الأندلس بنهاية الدولة الأموية في سنة 131هـ (749م)، بل بقيت هذه البلاد على حالها تدير أمورها بنفسها إلى أن ضعفت أمور المسلمين هناك في هذه الفترة وأحسوا أنهم في حاجة إلى من يجمع شملهم. وفي هذه الأثناء بزغ نجم صقر قريش: عبدالرحمن الداخل، وهو أصلا من الأمويين، ولوصوله إلى الأندلس حكاية:
هو عبدالرحمن بن معاوية بن هشام، وقد وصل إلى الأندلس بعد مطاردة قاسية وشديدة، قام بها جيش الدولة العباسية، ولكنه أفلت من ذلك الجيش ليصل بعد لأي إلى الموضع الذي رأى أنه يناسب وضعه ويُجنبه المطاردة. وقد رحب به سكان الأندلس العرب حين أرسل إليهم من يبلغهم بقدومه وسعدوا بوجوده بينهم.
وقد حل في هذا البلد وتولى فيه القيادة، وكان محمودا في كل ما صنع محبوبا لدى أبناء تلك الأماكن التي تولى قيادتها.
كان عبدالرحمن - حين وصل إلى هناك - شابا في الحادية والعشرين من عمره، وكان يتحلى بسداد الرأي، والوسامة والقوة والشجاعة وطول القامة، وهذه الصفات هي التي جعلته يجتاز كافة الصعاب.
وكان قد حكم الأندلس ثلاثا وثلاثين سنة وأربعة أشهر، وتوفي في سنة 172هـ (791م).
كتب عنه أحد علماء عصره فقال: إنه كان راجح الحلم، واسع العلم، ثاقب الفهم، كثير الحزم، نافذ العزم، بريئا من العجز، سريع النهضة، متصل الحركة، لا يخلد إلى راحة، ولا يسكن إلى دعة، ولا يكل الأمور إلى غيره، ثم لا ينفرد بإبرامها برأيه، شجاعا مقداما، شديد الحدة، قليل الطمأنينة، بليغا مفوها، شاعرا محسنا، وسمحا سخيا، طلق اللسان، وكان يلبس البياض، ويعتم به، ويؤثره، وكان قد أعطي هيبة من وليه وعدوه. وكان يحضر الجنائز، ويصلي عليها، ويصلي بالناس إذا كان حاضرا الجمع والأعياد، ويخطب على المنبر، ويعود المرضى، ويكثر مباشرة الناس والمشي إليهم.
ترك في الأندلس آثارا مهمة، وانشأ منشآت لايزال بعضها باقيا يفد الناس من كل مكان لرؤيته.
ورجل بهذه الصفات جدير بالقيادة والزعامة، وبه استطاعت الأندلس أن تقطع مرحلة كبيرة من تاريخها العربي مزدهرة بمنشآتها وأسواقها وتجاراتها وعلمائها وشعرائها وأدبائها، والكتب التي أصدرها كل من أولئك العلماء والأدباء بل الأدباء والمهندسون.
٭٭٭
أحمد بن عبدالله بن عمر ابن شهيد الأندلسي القرطبي (1003-935م)، كان علما من أعلام الأندلس، ومن مجالسي ملوكها، وكان مؤرخا أديبا شاعرا، له منزلة عالية بين قومه. وكان مولده في مدينة قرطبة وبها عاش منعما مرفها. ثم ركب الحسد نفوس منافسيه، فكادوا له، وآذوه حتى طرح في السجن فترة من الزمن مظلوما، ولكنه أنجز على كل حال عددا لا يُستهان به من المؤلفات المهمة، وكتب أشعارا كثيرة منها قصيدته التي ذكر فيها قرطبة راثيا الأندلس كلها ومن ذلك قوله:
فلمثل قرطبة يقل بكاء من يبكي بعين دمعها متفجر
في كل ناحية فريق منهم متفطر لفراقها متحير
ورياح زهرتها تلوح عليهم بروائح يفتر منها العنبر
يا طيبهم بقصورها وخدورها وبدورها وبسورها تتخدر
ثم يقول:
والقصر قصر بني أمية وافر من كل أمر والخلافة أوفر
والجامع الأعلى يغص بكل من يتلو ويسمع ما يشاء وينظر
ومسالك الأسواق تشهد أنها لا يستقل بسالكيها المحشر
ويقول في الختام:
حزني على سرواتها ورواتها وثقاتها وحماتها يتكرر
نفسي على آلائها وصفائها وبهائها وسنائها تتحسر
كبدي على علمائها، حلمائها أدبائها، ظرفائها تتفطر
كان ينوح على موطنه نواح الثكلى فقدت ولدها، وهو لا يُلام على ذلك فإن ما وصفه في شعره ينم عن صورة رائعة لوطنٍ جميل راق، به مواطنون من كافة الطبقات ولكنهم جميعاً من علية القوم الذين تفخر بهم بلدانهم، وقد أجاد ابن شهيد في شعره، كما كان مجيداً في أعماله كلها.
وهناك مؤلفات كثيرة تناولت الأندلس وتحدثت عن تاريخها وأخبار رجالها وعلمائها وشعرائها. نختار منها هذه الكتب الثلاثة بصفتها نموذجاً لما نريد أن نشير إليه:
-1 كتاب «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» لعلي بن بسام الشنتريني. وهو كتاب ضخم جاء في عدة مجلدات حققه الدكتور إحسان عباس، ونشرته الدار العربية للكتاب بتونس.
وهو يتحدث عن رجال الأندلس على مختلف مراتبهم، ويورد لهم الرسائل والأشعار، ويكتب عنهم الأخبار، وقد أراد بقوله: الجزيرة؛ عموم الأندلس، واسم الجزيرة وصف لهذه البلاد، لأن أرضها شبه جزيرة، وقد قالوا إنها تشبه جزيرة العرب التي سميت بذلك وهي شبه جزيرة.
وكان مؤلف هذا الكتاب قد ذكر أنه يؤرخ فيه حتى سنة اثنتين وخمسمائة للهجرة.
-2 كتاب: «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب»، لأحمد بن محمد المقَرِّي المتوفى في سنة 1041 للهجرة، وقد طبع الكتاب في مصر سنة 1949م بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد، ثم نشر في بيروت بتحقيق الدكتور إحسان عباس في سنة 1968م، وصدر عن دار صادر ببيروت. وهو في عدة مجلدات، اهتم مؤلفه فيه بذكر الوزير الأندلسي العالم الأديب لسان الدين بن الخطيب. وللطبعة الثانية فهارس شاملة ومُهمَّة.
-3 ومما كُتب عن الأندلس بأقلام أبنائها كتاب: «جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس»، وهو من تأليف الحُميدي محمد ابن أبي نصر فتوح بن عبدالله الأزدي المتوفى في سنة 488هـ، والكتاب مطبوع في سنة 1966م، اعتنت بطبعه ونشره الدار المصرية للتأليف والترجمة، وذلك ضمن سلسلة مطبوعات لها صدرت تحت اسم: «المكتبة الأندلسية».
والمؤلف عالم جليل تلقى العلم على ايدي عدد من العلماء في وطنه الأندلس، ومنهم ابن حزم الظاهري العالم الشهير، وتعلم الحُميدي في دمشق ومكة وغيرهما، وله شعر جيد، ومؤلفات كثيرة منها هذا الكتاب الذي قال فيه محققه بعد أن أورد أسماء مؤلفات الأزدي، وهي ثمانية عشر كتابا منها تسعة مفقودة، وقوله هو:
«مهما يكن فإن هذه الكتب تدل بوضوح على الاتجاهات التي يرتادها الحُميدي (وهو المؤلف)، وكانت تتمثل في:
-1 الأمور الدينية والأخلاقية والعلاقات الاجتماعية.
-2 التاريخ والتراجم والسِّيَر، ومنها هذا الكتاب.
-3 فنون الأدب، وبخاصة فن الشعر، وقد قيل إن له ديوانا يضم كافة أشعاره.
ومما لا شك فيه أن رجلا كهذا لابد أنه كان يتمتع بعلم وفير، وذكاءٍ لمَّاح».
جاء المؤلف في بداية كتابه بمقدمة تاريخية تحدث فيها عن الأندلس، وموقعها، وبدء فتحها. ثم عن بدء الحكم الأموي فيها يوم تولىَّ ذلك صقر قريش على الصفة التي ذكرناها آنفا، ومن هنا استمر الحميدي في ذكر الولاة الذين تعاقبوا على هذه البلاد، وفقا لما جاء في عنوان كتابه هذا. وهو كما يستطيع أن يتأكد القارئ كتاب مهم في بابه، لا غنى لباحث في شؤون الأندلس عنه. وفيه إلى جانب التاريخ فوائد أدبية كثيرة تزيد في قيمته وترفع من شأنه وشأن مؤلفه.
وإذا أردنا أن نستفيض في الحديث عن الأندلس من واقع ما كتبه أبناؤها فإن ذلك حديث يطول. فيه مؤلفات جَمَّة وله كُتَّاب مشهورون، ولكن ما اخترناه ضمن النماذج الثلاثة التي مرت بنا فيه الدلالة على ما تريد.
٭٭٭
واستمرت آثار فقد الأندلس في نفوس العرب والمسلمين إلى يومنا الحاضر، فكنا نرى الشعراء يذكرون ذلك ويتحسرون على الأيام الزاهية التي مرت بأبناء الأمة من الأندلسيين، وذلك كلما هاجت بهم الذكرى فدعتهم إلى الخوض في هذا الحديث، وكان هذا اتباعا لما بدأ به أبناء تلك البلاد العزيزة من الشعراء. ولذلك فإننا قل أن نجد شاعرا عربيا معاصراً يمر بالأندلس دون أن يكون لمروره هذا أثر في شعره. ومن أَجْل هذا فإننا نرى من الواجب علينا أن نشير هنا إلى هؤلاء الذين لم ينسوا ما ترك أسلافهم من آثار تدل على حضارة ورقي. وما تركوا من فنون وآداب صار لها في الأدب العربي موضع الصدارة.
وها نحن نباشر بذلك:
وأول من نجده من الشعراء العرب المحدثين، فنراه يذكر الأندلس هو أمير الشعراء أحمد شوقي الذي كان منفيا إلى تلك البلاد، وقال فيها قصيدته الشهيرة التي يذكر فيها بلاده مصر، ويذكر مآثر الأندلس وآثارها وتلك القصيدة هي التي مطلعها:
يا نائح الطلح أشباه عوادينا
نشجى لواديك أم نأسى لوادينا
ماذا تقص علينا غير أن يدا
قصت جَناحَيكَ جالت في حواشينا
ومما ذكر فيه الأندلس من هذه القصيدة قوله:
رسم وقفنا على رسم الوفاء به
نجيش بالدمع، والإجلال يثنينا
لفتية لا تنال الأرض أدمعهم
ولا مفارقهم إلا مصلينا
لو لم يسُودُوا بدين فيه منبهة
للناس كانت لهم أخلاقهم دينا
لقد وقف الشاعر على تلك الرسوم الباقية من آثار الأقدمين من رجال الأندلس، دفعه إلى وقوفه هذا الوفاء لهم، والتقدير لذكراهم ولأعمالهم التي يرى بقاياها رؤيا العين فَيُعْجَبُ بها، ثم إنه ليكاد يبكي تلك الأيام النضرة ولكن جلال تلك المواقع يثنيه عن البكاء فيحبس الدمع في مآفيه احتراما لأولئك الفتية الذين لا تصل أدمعهم إلى الأرض ولا تتدنس بها جباههم إلا حين يصلون. لقد كانوا أسيادا وكانت سيادتهم لتمسكهم بدينهم الذي كان فيه منبهة لهم وللناس أجمعين، بل وكانت أخلاقهم العالية التي تمسكوا بها دينا آخر يحفظهم من الزيغ ويدلهم على الطريق المستقيم.
لقد تحدث أحمد شوقي باختصار شديد عن الأندلس وعن رجاله، وإن كانت قصيدته طويلة، فقد كان من همه المقارنة بين أشواقه للماضين وأشواقه لأهله في مصر. ثم في تذكر تلك الآثار القديمة التي تركها في بلاده مقارنا اياها بالآثار الاسلامية التي شاهدها في الاندلس حيث كان منفاه. ولقد امتعنا بقصيدة عالية القيمة.
وثاني من نريد التحدث عنه من الشعراء المحدثين الذين ورد ذكر الاندلس في شعرهم هو الشاعر المشهور نزار قباني المولود في سنة 1923م، وهو شاعر غزل برز على نطاق واسع في اجادته للشعر الحديث، واهتماماته الغزلية ثم السياسية. هو من مواليد العاصمة السورية دمشق، ينتمي الى أسرة متوسطة، اكمل تعليمه الثانوي حيث ولد ثم التحق بالجامعة السورية (جامعة دمشق)، ودرس الحقوق، وعندما تخرج في هذه الجامعة عمل في السلك الدبلوماسي السوري، فكان اول عمل له في سفارة وطنه بالقاهرة، ثم تقلب في عدد من البلدان قريبها وبعيدها حتى وصل الى الصين. وكان يكتب الشعر في فترة وجوده بمصر وفيها اصدر اول مجموعة شعرية له، واطلق عليها اسم: «طفولة نهد» وقد انتشر هذا الديوان واكسب الشاعر شهرة كبيرة. وقد استمر في الانتاج الشعري وسار على نهج الديوان الأول فأصدر عدة دواوين كان منها: سامبا، لا، قالت لي السمراء، أشعار مجنونة وغيرها...
وموضوعات هذه القصائد يدور أكثرها حول قضايا المرأة والنقد الاجتماعي الى ان تطورت اعماله الشعرية بحكم تطور الزمن، وتلاحق الاحداث فتحول – جزئيا - الى النقد السياسي.
وقد ابتدأ بهذا النوع الاخير من الشعر بإصداره: «هوامش على دفتر النكسة» وذلك بعد سنة 1967م، ثم استمر في هذا الاتجاه، وصار ينتقد المجتمع العربي انتقادا لاذعاً مراً جعل عدداً من النقاد يتحولون إليه بالنقد الجارح بسبب موقفه ومن ذلك ما كتبه صاحب كتاب الاعلام وهو خيرالدين الزركلي:
«مثل هذا النقد اللاذع للأمة العربية جعل بعض النقاد يتهمون نزار قباني بالضحالة السياسية، وضعف الانتماء القومي، ويرى بعض النقاد ان التوكيد فقط على المظاهر السلبية في المجتمع العربي، وترك الجوانب الايجابية، واتخاذ المواقف السلبية من التراث الحضاري العربي وتشويه التاريخ، وتحقير شأن العرب، والتشكيك في قدرات الأمة ووصمها بالبلادة والانحطاط نقد مدمر، وجلد للذات وللقارئ العربي معاً».
هذه مقدمة لا بد منها لأننا سوف نتناول شيئاً مما قاله نزار قباني عن الاندلس التي عمل فيها فترة من الزمن في سفارة بلاده في مدريد، واطلع خلال وجوده هناك على كثير من الآثار العربية التي لاتزال قائمة فقال شعره متأثراً بها. وهذا هو ما سوف يأتي في الحلقة القادمة.
ملحاق خير:
كان فتح الأندلس ملحمة كبرى كما نرى في المقال المرافق. وكان انهيارها من أيدي العرب ملحمة أخرى، ولكنها ملحمة بائسة جَرَّتْ كثيراً من الويلات على أبناء تلك البلاد، لأنهم جُوبهوا بأعداء خلت قلوبهم من الرحمة وجُبلوا على الشراسة، حتى لقد كانوا لا يفرقون في القتل بين صغير وكبير ولا بين رجل وامرأة، مما جعل الأهالي يعجلون بالفرار من تلك المواقف المأساوية التي وجدوا أنفسهم حيالها.
ولقد كتبت كتب التاريخ التي أشرنا في المقال إلى بعضها عن كل ما دار في تلك الأثناء التي سالت فيها الدماء والدموع، وفقد الناس بِسببها أولادهم وبناتهم وأموالهم وعقاراتهم وفروا هاربين من الموت الذي يقف لهم في كل مرصد. وإذا كان تاريخ هذه الفترة مكتوبا بما فيه الكفاية فإنني وجدت ذكره مبسوطا بصورة أفضل وأكثر وضوحا في مرجع غير تاريخي وهذا هو بيان ذلك:
قامت الروائية الكبيرة رضوى عاشور بكتابة رواية تسجل فترة الخروج من الأندلس وقد جاءت هذه الرواية في ثلاثة أقسام صدرت تحت اسم «ثلاثية غرناطة» وقد جاءت تحت هذا الاسم وحده في الطبعة الخامسة التي صدرت في سنة 2005م، وكانت قبل ذلك تصدر في أجزاء ثلاثة صدر أول جزء منها في سنة 1994م. وكان لكل جزء منها اسم خاص به.
تتحدث رضوى عاشور عن الكارثة الإنسانية الكبرى التي حدثت اثناء انهيار الأندلس العربية وتقدم تفصيلات دقيقة معتمدة على مصادر تاريخية حقيقية لا يدخلها من الخيال إلا عناصر الربط التي لابد منها لتسلسل الحكاية.
عندما نقرأ الثلاثية فإننا لا نستطيع أن نتوقف قبل إتمامها لأنها قريبة من الواقع ولأنها كتبت بأسلوب راق. وعندما ينتهي المرء من قراءتها فإنه يكون قد أَلمَّ بِكل ما يريد أن يُلِمَّ به عن تلك الفترة الرهيبة والكئيبة في آن واحد.
رضوى عاشور - اليوم – من كبار كاتبات الرواية العربية ولها عدد كبير من الروايات التي نالت اهتمام القراء والنقاد على حدِّ سواء. وكُتبت عنها كتابات كثيرة تثني عليها وعلى انتاجها. ذكر الكاتب الكبير محمود أمين العالم أن ثلاثية غرناطة إنما هي إضافة إلى الرواية العربية، وكتب الدكتور جابر عصفور عن الثلاثية – أيضا - فقال «غرناطة رواية المقموعين حيث يُصبح مجرد البقاء على قيد الحياة بطولة في عالم عدواني يقمع تاريخا كاملا».
وتحدثت الدكتورة لطيفة الزيات عن غرناطة حديثا مليئا بالاعجاب فقالت: «اللغة في غرناطة هي الذاكرة، ومن هنا هذا الاحتفاء الكبير بجلال اللغة ورصانتها، وإيقاعها وشاعريتها، ومن هنا هذا المعجم الواسع، متعدد المقاصد، في السَّرد والوْصف معا».
أما الناقد الشهير الدكتور علي الراعي فقد قال عن الرواية إنها: «تجعل حقائق التاريخ تنتفض أمامنا حارة دافقة».
وهذا القول – في رأينا – أفضل ما قيل عن رواية رضوى عاشور «ثلاثية غرناطة» وأقرب إلى حقيقتها.
وبعد، فإننا ينبغي أن نحتفظ في ذاكرتنا بتاريخ الأندلس: بداية ونهاية. وإذا كان من الصعب على المرء أن يقرأ تلك المصادر الكبيرة المكونة من مجلدات كثيرة، متشعِّبة الموضوعات، فإنه يستطيع أن يقرأ هذه الثلاثية فيحصل بها على كل ما يريد. وإذا استغرق في قراءتها فإنه سوف يحس بإحساس المرء الذي يعيش في زمن غير زمنه.
أخبار ذات صلة
أوباما يعتزم لقاء فريق عمل فيلم مانديلا
«علكة» تنهي خدمات معلمة وافدة في أول سنة تعيين
الطيران العمودي عثر على المفقودين الثلاثة في بر الجهراء
السعودية تبدأ حملة أمنية مكثفة لترحيل الأجانب المخالفين على أراضيها
مسلح يصيب رجل شرطة بالرصاص في ولاية اوريجون
التعليقات الأخيرة
All Comments
Please enable JavaScript to view the
comments powered by Disqus.
comments powered by
Disqus
أكثر المواضيع مشاهدة
«التمييز» ترفض وقف تنفيذ إغلاق «الوطن»
فيديو - العصفور: التزمنا بالقرار الإداري لـ«الإعلام» وأدعو الجميع لمشاهدة افتتاحية قناة «المجلس»
أماني بورسلي: كنا نريد دعماً حكومياً لـ«قناة الوطن»
المحامي حسين العصفور: أيادٍ خفية تعمل من أجل إغلاق «الوطن» !
الاستئناف تلغي حكماً لمرزوق الغانم ضد قناة «الوطن»
إحنا مضربين نبي حقوقنا
المكافحة: ضبط مواطنة بحوزتها مواد مخدرة ومؤثرات عقلية
عدسات لاصقة تُفقد فتاة بصرها.. والأطباء يحذرون من كارثة صامتة
الكويت تبحث مع الأمم المتحدة جهود حماية المرأة وتعزيز التشريعات ضد العنف
إسكان المرأة تدعو المواطنات ممن لديهن طلب مسكن مؤجر من سنة 2010 وما قبل لتحديث بياناتهن
Tweets by WatanNews
!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
80.0041
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
Top