مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

رحرحة

الخير.. وسوء العاقبة

أسامة غريب
2012/08/11   09:02 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



منذ سنوات حدث أنني كنت أسير بالسيارة عندما شاهدت على الرصيف القريب شاباً يسيل الدم من رأسه يسير خطوات ثم يسقط على الأرض، وينهض محاولاً السير ثم لا يلبث ان يسقط من جديد. توقفت بالسيارة الى جانب الطريق وبصورة آلية دون تفكير نزلت مسرعاً واتجهت للفتى الذي راح في غيبوبة ومازال الدم ينزف من رأسه.نهض كذلك رجل أشيب كان يجلس على كرسي على الرصيف خارج دكانه.قلت له:ما الذي حدث؟ هل شاهدت من أصاب الفتى؟.أجاب: كنت أجلس فشاهدته يتخبط على الرصيف ثم يسقط أمامي ولم أعرف من فعل به هذا.قلت: ماذا نفعل الآن؟ قال: لابد من نقله للمستشفى لأننا لو طلبنا الاسعاف لمات قبل وصولهم.ساعدني الرجل ومعه بعض المارة على حمل الجريح ووضعوه في سيارتي على المقعد الخلفي.طلبت من الرجل ان يأتي معي للمستشفى حتى يكون شاهداً على ما حدث وحتى لا يظنوا أنني أصبته بالسيارة أو ان لي دخل بما أصابه على أي نحو.تعلل الرجل بأنه ينتظر بضاعة ستصله بين لحظة وأخرى، لكنه طمأنني بأنه جاهز للشهادة معي ان احتجتها.شعرت بالقلق لأنني أعلم ان السلطة تشجع على النذالة باجراءاتها التعسفية بحق من يحمل مصاباً ويذهب به للمستشفى. حاولت ان آخذ معي أحداً من الجمع الذي أحاط بنا للفرجة على ما يحدث، لكنهم اعتذروا في نذالة جماعية مذهلة.زاد توتري وأحسست بأنني تهورت بوضع المصاب في سيارتي، لكن خوفي على حياته حسم ترددي وجعلني أتوكل على الله وأنطلق بالسيارة بأقصى سرعة وأنا أردد أدعية الى الله بأن ينجي الفتى ولا يدخلني في مشاكل يتعرض لها دائماً من يقدم على فعل الخير!.على بوابة المستشفى واجهتني مشكلة لأنهم رفضوا ادخالي بالسيارة وطلبوا مني انزال المصاب وحمله حتى قسم الاستقبال!.صرخت فيهم وأنا أكاد أجن بأن المصاب حالته حرجة ولا أستطيع حمله وطلبت منهم ان يحضروا محفة مما ينقل عليها المصابون، لكنهم تعللوا في رقاعة بأنهم موظفو أمن ولا علاقة لهم بنقل المرضى! اضطررت لأن أدفع لهم حتى يفتحوا البوابة.بعد ان أدخلناه الى قسم الاستقبال وجدت ان مهمتي انتهت فأعطيت القوم ظهري وهممت بالانصراف، لكن موظف الأمن الذي أخذ مني الرشوة طلب مني البقاء وأشار الى الأطباء بأنّ هذا هو الذي أتى بالحالة.وفي الحقيقة لم أجد أطباء لكن وجدت مخبرين كل همهم هو ان يعرفوا صلتي بالشاب الممدد بين أيديهم.شرحت لهم علاقتي بالموضوع لكنهم أصموا آذانهم وتم ابلاغ مدير المستشفى تليفونياً ثم أخبروني ان الشرطة في الطريق.
كررت على أمين الشرطة ما حدث ونفيت معرفتي بالمصاب.كان الأمين متفاهماً، بيد أنه شرح لي ان هناك اجراءات في مثل هذه الحالات لا يمكن تجاوزها، وطلب مني ان أدعو الله ألا يموت الفتى حتى يمكنه ان يشهد لصالحي ويؤكد لهم أنني لست الفاعل.مادت الدنيا بي لأنني فكرت لحظتها ان الشاب قد تكون صدمته سيارة لم ير قائدها فلا يستطيع ان يؤكد أو ينفي شخصية الفاعل، ولا يبقى أمامهم حينئذ الا المغفل الذي حمل جريحاً ينزف وذهب به للمستشفى!.و هنا تذكرت صاحب المحل الذي شهد الواقعة معي وهو جالس على كرسيه على الرصيف وطلبت من الشرطي ان يأتي معي لسؤاله حتى يمكنني ان أنصرف الى حال سبيلي.وافق الرجل فاستبشرت خيراً وبدأت الطمأنينة تعود الى نفسي.ركبنا السيارة ودعوت الله ان يكون الرجل موجوداً ولا يكون غادر المحل لأي سبب..ومن بعيد لمحته جالساً نفس جلسته الأثيرة يحتسي الشاي خارج محله.توقفت بالسيارة ونزلت ومعي أمين الشرطة وتوجهنا نحوه، ولا أدري لماذا لمحت الاضطراب في ملامحه عندما شاهدني ومعي رجل البوليس.بادرته في لهفة: بالله عليك قل للأمين ما حدث لأنه يريد معرفة حقيقة الأمر.قال الرجل: أي أمر؟ قلت وأنا لا أصدق: أمر الشاب الذي ترنح وسقط أمامك هنا ودماؤه لا تزال آثارها على الأرض..الشاب الذي تعاونت معي لأنقله بسيارتي للمستشفي.رد في خسة متناهية: لا أعرف عما تتحدث..ربما تقصد شخصاً آخر!.طافت بخيالي لحظتها أسئلة كثيرة عن البشر والكون وجدوى الحياة وحكمة ربنا في وجود بشر من هذا النوع، ثم وجدت نفسي مستسلماً لقدري وأنا أقول للشرطي: هيا بنا للمستشفى فلعل الفتى يكون قد مات لتكتمل الدراما الاغريقية التي أواجهها.كنت أقطع الطريق بالسيارة وأنا في حالة وجوم بينما أمين الشرطة يؤكد لي أنه يصدقني لكنه لا يدري ماذا يفعل.داخل المستشفى استقبلنا الأطباء بابتسامة وأخبرونا أنهم عرفوا الموضوع من الشاب حين استفاق وحكى لهم أنه مصاب بالصرع وان النوبات تداهمه بشكل مفاجئ فيسقط على الأرض ويتعرض للاصابة.أضافوا أيضاً أنهم أسعفوا جرحه وتركوه يمضي لحال سبيله.
عندما عدت للشاهد الوغد كان كل ما أريده هو ان أفهم لماذا فعل ما فعل.قال الرجل في بلادة: عندما رأيت الشرطي معك ازددت يقيناً بما أؤمن به فعلاً وهو ان من يفعل الخير في هذا البلد لا يلقى الا سوء العاقبة، فاتخذت قراري بألا أفعل الخير!.


أسامة غريب
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
278.994
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top