مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

مثلث الريبة في المشهد المصري

فهمي هويدي
2012/07/24   08:13 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



الترويج للشائعات المكذوبة هدفه استعداء القوات المسلحة لكي تصبح جزءاً من المعركة الدائرة حالياً لإفشال الرجل وإسقاطه

ما يلفت النظر في حملة الحط من كرامة الرئيس أن الذين يشاركون فيها لم تعرف عنهم جرأة ولا شجاعة في مواجهة السلطات



فهمي هويدي
ما يحدث في مصر الآن ليس مدهشا فقط ولكنه مريب أيضا، لذلك فنحن مدعوون لئلا نأخذ الأمور بظاهرها، وان نفكر جيدا في هوية الأطراف التي تحركها وحقيقة الأهداف التي تتوخاها.

(1)
جبان وعميل للأمريكان، هذان الوصفان أطلقهما على الرئيس محمد مرسي، عضو في مجلس الشعب عن حزب المصريين الأحرار، الذي أسسه السيد نجيب ساويرس، وقد ورد الاتهام في ثنايا خطبة ألقاها العضو المذكور أمام مؤتمر أقيم بمركز مؤتمرات الأزهر بمدينة نصر، ودعا اليه تكوين جديد باسم «التحالف القبطي الصوفي»، وقد نشرت صحيفة «المصري اليوم» عرضا لوقائعه في العدد الصادر يوم 18 يوليو الحالي، ولم يكذب الكلام، وإنما مر كأن الاتهام شيء عادي لا غضاضة فيه ولا مؤاخذة عليه.
الهجوم على الرئيس مرسي ليس جديدا، ولكن تصعيده الى حد وصف الرجل بالجبن والعمالة يصيبنا بدهشة بالغة. قبل أيام قليلة وصف أداؤه بالبلطجة السياسية في عنوان صحافي، وأشار اليه عنوان صحافي آخر بأنه «الرئيس الفضيحة»، وحين تسلم السلطة نشر ان «الفاشي» وصل الى قصر الرئاسة، وفي أحد الأعداد ذكر عنوان تصدر الصفحة الأولى باللون الأحمر أنه «رئيس تحت الصفر»، كما أشارت صحيفة أخرى الى ان عضوا بالكونجرس تحدث عن ان أمريكا اشترته بخمسين مليون دولار! هذا قليل من كثير تحفل به الصحف المصرية الصفراء في الأغلب، وهو ليس نقدا للرجل مما ندعو اليه ونشجعه، ولكنه سب علني وقذف يعكس المدى الذي ذهب اليه البعض في التطاول والاجتراء بعدما رفع الاصر عن الاعلام المصري وعن كل مصر بعد الثورة، ولأول وهلة يبدو الأمر وكأنه من قبيل الانفلات الذي أصاب وسائل الاعلام بعد سقوط الرئيس المقدس والاله وانتخاب رئيس ليس مجرد مواطن عادي فحسب، ولكنه من الإخوان أيضا، والأول مهدور الحق، والثاني مستباح عرضه وكرامته.
ما يلفت النظر في حملة الحط من كرامة الرئيس ان الذين يشاركون فيها لم نعرف عنهم جرأة ولا شجاعة في مواجهة السلطان، وانما عهدناهم حملانا وديعة لم يتجاوز حلمها حدود الانضمام الى حاشية السلطان واستجلاب رضاه، من هؤلاء أيضا نفر من أهل القضاء تطاولوا حتى وجهوا الى الرئيس انذارا طالبوا فيه بالتراجع عن قرار له خلال 36 ساعة وراحوا يسخرون منه ويلمزون فيه، في حين سكتوا ولم نسمع لهم صوتا يحتج على تزوير الانتخابات في السابق، وكنا قد رأيناهم حينما تستروا على تسفير المتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي ولم يروا في تلك الصفعة العلنية أية اهانة للقانون أو القضاء.
هذا الاستقواء على رئيس الجمهورية الى حد اتهامه بالجبن والعمالة ليس أمرا عاديا، ولكنه يثير سؤالا كبيرا حول أهدافه وسؤالا أكبر وأخطر حول هوية الجهات التي تقف وراءه.

(2)
الأمر جدير بالتوقف عنده، فاهانة رئيس الجمهورية والحط من كرامته تشكل أحد أضلاع مثلث مريب يرتسم في الفضاء المصري ويستدعي سيلا آخر من الأسئلة، الضلع الثاني يتمثل في تخويف الرأي العام من شبح مواجهة أهلية يعد لها في مصر، ليست جديدة فزاعة الإخوان التي ألفناها منذ أكثر من ستين عاما، ولكن الجديد هو تلك الرسائل التي تبث من خلال وسائل الاعلام ملوحة باحتمالات حدوث قلاقل في البلد، فهي تحدثنا حينا عن «ميليشيات» تتدرب في بعض الأماكن النائية، وعن «حرس للثورة على الطريقة الايرانية يعده الإخوان وفي أحيان أخرى تتحدث عن عشرة ملايين قطعة سلاح تسربت الى داخل مصر عبر الحدود الليبية، وخطورة مثل هذه الشائعات لا تتمثل فقط في مضمونها الذي يفترض ان يشيع التوتر والقلق، لكنها تكمن أيضا في صدورها عن أطراف يفترض أنها وثيقة الصلة بالأجهزة الأمنية في البلد، الأمر الذي يشكك في ان تلك الأجهزة، أو عناصر فيها على الأقل، لها مصلحة ما في الترويج لتلك المعلومات، ذلك اننا حين نسمعها مثلا من لواء سابق في الجيش يقال لنا أنه خبير استراتيجي، فان أول ما يخطر على بالنا مجموعة من الأسئلة منها على سبيل المثال: اذا صح هذا الذي يقال، فلماذا تقف الأجهزة الأمنية متفرجة عليه؟ لماذا لا تبادر الى ضبط واحضار تلك الميليشيات للتحقيق مع مسؤوليها وعناصرها، ولماذا لا تقرر شن حملة لمصادرة تلك الملايين من الأسلحة التي يدعون تسريبها الى داخل البلاد، وهل يمكن ان نفترض البراءة في السكوت على ذلك والاكتفاء بابلاغنا بشأنه من خلال التلفزيون؟! الضلع الثالث في مثلث الاسترابة يتمثل في محاولة استفزاز الجيش واستثارته. ذلك ان لك ان تتصور رد فعل أي ضابط حين يقرأ عنوانا رئيسيا على الصفحة الأولى لاحدى الاسبوعيات يتحدث عن «تسريح الجيش المصري»، وتحويله من تشكيلات مقاتلة الى فرق لمكافحة الارهاب الدولي، ثم نجد في العناوين ان الخطة تتفق مع رغبة الإخوان في اختراق القوات المسلحة لاضعافها واعادة هيكلتها للسيطرة عليها، وحين نقرأ الكلام نجد ان هناك خطة بهذا المضمون أعدت منذ ثماني سنوات، ولكن المشير طنطاوي رفضها، (دون أية اشارة الى موقف الرئيس السابق الذي لم نعرف أنه رفض للأمريكان طلبا)، في ذات الوقت نقرأ عنوانا على الصفحة الأولى أيضا ينقل عن المخابرات المركزية الأمريكية ادعاءها ان الجيش المصري سيتحول الى جيش إسلامي خلال 5 سنوات، كما نقرأ في موضع آخر تلميحا الى ان الإخوان على استعداد للتنازل عن جزء من أرض سيناء لصالح حركة حماس أو غزة، لكي تتوسع فيها وتمدد «امارتها» الإسلامية.
الترويج لمثل هذه الشائعات المكذوبة له هدف واحد هو استعداء القوات المسلحة ودفعها الى الانخراط في الاصطفاف الذي تشهده البلاد، لكي تصبح جزءا من المعركة الدائرة حاليا لافشال الرئيس المنتخب واسقاطه.

(3)
هل هي مصادفة ان يجتمع ذلك كله في وقت واحد، أعني ان يهان الرئيس وتستباح كرامته في حين يشاع ان مصر يهددها شبح الحرب الأهلية، وان جيشها يراد تسريحه واحلال الميليشيات الإسلامية مكانه بدعوى الدفاع عن الأمة الإسلامية، سنقترب من الاجابة اذا تأملنا: الضلع الأول من مثلث الاسترابة الذي نتحدث عنه، اذ حين نجد أناسا لم نعرف عنهم لا شجاعة ولا سجلا نضاليا ولا استعدادا للتضحية، يرتدون فجأة مسرح الفرسان ويمتشقون سيوف المقاتلين الصناديد، فينبغي ان نتساءل عن سر ذلك التحول، واذا استبعد خيالنا فكرة تلقيهم حبوب الشجاعة التي تحول الحملان الى فرسان، فلن يبقى أمامنا سوى احتمال واحد هو ان يكون هؤلاء قد اتكأوا على أحد مصادر القوة التي ساندتهم وحفزتهم.
ستلاحقنا الشكوك أيضا اذا ما نظرنا الى مصادر التلميحات التي تتحدث عن احتمالات الحرب الأهلية، والتسريبات التي تحذر من تسريح الجيش أو التفريط في أرض الوطن، وحينئذ سيبرز السؤال الكبير: من صاحب المصلحة في كل ذلك؟ لن اختلف مع من يشير الى دور بعض المثقفين والسياسيين الهواة الذين دخلوا الى الساحة بعد الثورة، وشغلوا بتصفية الحسابات وصراعات القوى، وحولتهم الفضائيات الى «نجوم» وهميين استغرقتهم الحروب الصغيرة ولم يروا غيرها، اذ لست أشك في ان لهؤلاء اسهامهم في تسميم الأجواء وتعميق التناقضات، لكنني أزعم ان اللعبة أكبر من هؤلاء، وان هناك اطرافا أخرى ذات بأس وقوة لها دورها في توتير الأجواء وتأزيم الموقف الداخلي، وسواء سميت تلك الأطراف بالدولة العميقة أو الدولة الحارسة أو مراكز القوى، فما يجمع بينها أنها موجودة داخل مؤسسات الدولة وأجهزة الأمن، وانها رافضة لما يجرى وتستهدف تغييره على نحو يصفي حساباتها ويحمي مصالحها، وليس ذلك كله مجرد استنتاج، لأن المعلومات التي تسربت عن سيناريوهات معركة انتخابات الرئاسة، تدل على ان تلك الأطراف ساندت الفريق أحمد شفيق بكل ما تملك من امكانيات ونفوذ، وانها خططت لتمكينه من الفوز، وللادعاء بحدوث اضطرابات بعد ذلك تتهم بالضلوع فيها خلايا قادمة من قطاع غزة، الأمر الذي يبرر اعلان الاحكام العرفية، ويؤدي الى استعادة نظام مبارك بعد ذلك بصورة تدريجية.

(4)
اننا اذا تتبعنا المعارك التي شهدتها مصر منذ قامت الثورة في 25 يناير من العام الماضي، سنجد أنها تدور بين المثقفين والقوى السياسية من ناحية، وبين مؤسسات الدولة بعضها البعض من ناحية ثانية، ومن ثم سنلاحظ ان هذه المعارك بعيدة كل البعد عن الأهداف التي قامت من أجلها الثورة، خصوصا ما تعلق منها باقامة الدولة الديموقراطية المستقلة، التي تتبنى قيم الحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية، لا أخلي مسؤولية حزب الحرية والعدالة الذي يمثل الإخوان عن جانب من الارتباك الحاصل، ذلك أن الحزب لم ينجح في اختبار التوافق، كما أن حساباته اخطأت في قراءة الخريطة الاستراتيجية للواقع المصري، وموازين القوى فيه، الا ان النخب والجماعات السياسية الأخرى ظلت طول الوقت مشغولة بحساباتها ومعاركها الخاصة المتعلقة بحضورها وحظوظها، ولم تعط معركة الوطن حقها من الأولوية أو الاعتبار، ولا يعفى المجلس العسكري من المسؤولية أيضا، لأنه حتى إصدار الإعلان الدستوري المكمل في 17 يوليو الماضي، كان بدوره مشغولا بسلطاته وحصته ولم نستشعر في التعديل اكتراثا بأهداف الثورة وتسليم السلطة الى الشعب صاحب الثورة.
هذا الاستغراق في المعارك الصغيرة يمثل سحبا من رصيد الإعداد للمعركة الكبرى التي تدور رحاها حول أهداف الثورة وتأسيس النظام الديموقراطي الجديد، وحين يحدث ذلك فان الأبواب تنفتح تدريجيا أمام المتربصين بالثورة الذين يوهموننا الآن بأنهم يصوبون سهامهم ضد الإخوان، في حين ان الهدف الحقيقي أبعد من ذلك وأكبر، أنهم يمهدون للانقلاب على الثورة لذا لزم التنويه والتنبيه.
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
930.9926
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top