مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

نافذتي

الفتوى والسياسة.. من يتبع من؟

د.خالد القحص
2012/07/17   11:23 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image

التوظيف السياسي لها واستغلالها في اللعبة السياسية يخدش مصداقيتها


البيان الذي أصدرته اللجنة الشرعية للتجمع الاسلامي السلفي، ونشرته «الوطن» كاملاً على صدر صفحتها الأولى قبل يومين، تضمن فتوى بشأن حكم الدين في المهرجانات الخطابية، والمسيرات والمظاهرات، والاضرابات والاعتصامات. وقبل ان أبدي رأيي في هذا البيان، فانني أؤكد بشكل قاطع احترامي، لأعضاء اللجنة الذين نقدر علمهم وفضلهم، وندرك ان هذا هو ما يدينون لله سبحانه به، وان ما دفعهم لاصدار مثل هذا البيان هو تحريهم حكم الشرع، وتوخيهم مصلحة العباد والبلاد.
غير ان هذا الاحترام وذلكم التقدير، لا يمنعنا من ان نثير بعض الملابسات التي تحيط بمثل هذه الفتوى، لأنه لا يمكن لنا، ولا ينبغي، ان نقرأ هذه الفتوى، دونما اعتبار سياقها الزمني والمكاني والموضوعي. وعليه فملاحظاتنا على البيان، أرجو ألا ينظر إليها على أنها ملاحظات على الدين نفسه، فالفتوى، كما ذكرت في مقالة سابقة لي في هذه الزاوية بعنوان «الفتوى.. العضو الواحد والخمسون» (9 أغسطس 2010)، أقول الفتوى هي عبارة عن اجتهاد ديني يعكس رؤية واقتناع صاحبها في قضية تمس حياة الناس ومصالحهم. والفتوى لا تكون مهمة أو مؤثرة الا بقدر تأثيرها في متلقيها، وبقدر ووزن وثقل من أطلقها. والفتوى ليست هي الدين ذاته، بمعنى أنه لا يمكن القطع على وجه اليقين بأنها هي حكم الله سبحانه تماماً، بل هي فهم واجتهاد لما يظنه المفتي من رأي الدين، بحسب ما توفر له من أدلة وبراهين.
بعد هذه المقدمة، يمكن لنا ان نلج الى موضوع المقال، فنقول إنه يسعنا النظر الى التجمع السلفي على أنه الجناح السياسي لجمعية احياء التراث الاسلامي، وعليه فهو تجمع سياسي بامتياز، يتعاطى الشأن السياسي في مجالاته وطرقه، كما ان للتجمع نوابه ورموزه، وله كذلك مرئياته السياسية، وبالتالي لا يمكن النظر الى الفتوى بمعزل عن توجهات التجمع ومواقفه المعلنة، ولذا تأتي الفتوى متناغمة الى حد ما مع الموقف السياسي للتجمع السلفي، وعليه فهي فتوى غير محايدة، أو غير منفكة عن التجمع السلفي، تماماً كما لو ان بعض العلماء والمشايخ المنتمين للحركة الدستورية الاسلامية أصدروا فتوى دينية تؤيد مواقفهم السياسية، فحينها تكون الفتوى مكملة للموقف السياسي، وليست منفكة عنه، باعتبارها فتوى دينية لا علاقة لها بالتوجه أو التيار الذي أصدرها. وهذا لا يعيب الفتوى من حيث هي فتوى، لكنه بالتأكيد لا يعطيها القدسية أو التحصين الكامل، على اعتبار أنها صادرة من تجمع سياسي فاعل في المشهد السياسي الكويتي، بخلاف ما لو كانت الفتوى صادرة من جهة مستقلة عن الحراك السياسي بأكمله، وليس لهذه الجهة أي مصلحة سياسية ظاهرة، فعندها يمكن النظر الى الفتوى بطريقة مختلفة. وهذا ما يزعجني كثيراً، أعني ان التوظيف السياسي للفتوى، واستغلالها في اللعبة السياسية، ولمناورات الكر والفر، يخدش مصداقية الفتوى والمفتي، ويجرئ الناس على رفض الفتاوى مستقبلاً، أو يساء الظن بالجهة التي أصدرت الفتوى، بحجة صمتها في الفترة الماضية، مع وجود أخطاء مشابهة أو أشد.
بل ان البعض يطرح وجهة نظر منطقية حين يسأل عن غياب فتوى اللجنة الشرعية في التجمع السلفي (مع تقديرنا العميق للمشايخ في اللجنة الشرعية) عن قضايا تمس واقع المجتمع مثل قضايا الظلم والفساد والرشاوى والسرقات، حتى كقضايا انسانية مثل قضية البدون. قد يقول قائل إن الفتاوى تناولت هذا، لكن وجه احتجاجنا هو في عدم ظهور هذه الفتاوي (ان وجدت) بنفس الزخم والحرص الذي ظهر به البيان الأخير للجنة الشرعية.
بل السؤال الذي أطرحه، وأزعم أنه ينسحب على العلماء واللجان الشرعية وهيئات الفتوى، ان في الكويت أو غيرها، هو لماذا تختفي الفتوى الدينية عن القضايا الأساسية التي تمس حياة الناس وحرياتهم ومصالحهم، في حين أننا نراها تصدر بتوقيت معين، وللدفاع عن موقف حكومي تنحاز له، ولا تنحاز الفتوى للمصلحة العامة وللجمهور العام؟ بل لماذا لا يظهر بيان من العلماء وهيئات الفتوى في العالم العربي والاسلامي ينتقدون فيه صمت الدول العربية عن حصار غزة، مثلاً، ويحرمون فيه صمت وتخاذل الحكام والمسؤولين العرب، وأنهم آثمون لأنهم لم يرفعوا الظلم عن أهلنا في غزة؟ ونفس الشيء ينسحب على قضايا عربية واسلامية كثيرة، تحتاج الى فتاوى، لكننا لا نراها.
قضية أخرى أليس هناك ادارة للفتوى تتبع الدولة ممثلة بوزارة الأوقاف، وبالتالي تكون هي الجهة المعنية بإصدار الفتاوى الدينية، خاصة ذات الصلة بالشأن العام، لكي نضمن عدم استغلال الفتوى أو توظيفها سياسياً (مع ان هذا لا يبرئ الحكومة أيضاً)؟ ألسنا بحاجة الى فتوى تنظم الفتوى، أو تنظم مسألة اصدار الفتوى، حتى لا يصير الناس الى لغط، ولا تفقد الفتوى الدينية هيبتها واحترامها في نفوس المتلقين لها؟
وأختم بما ختمت به مقالي السابق حين قلت انه توجد أسئلة كثيرة تشير الى أن الفتوى يتم توظيفها سياسياً لا دينياً، وأن الفتوى تبع للقرار السياسي الذي تم اتخاذه مسبقاً وليس العكس. أعني ان الفتوى يتم استدعاؤها لكي تدعم حيثيات القرار السياسي، ولا يتم استدعاؤها ابتداءً لكي توجه، أو تقود، أو ترشد القرار السياسي، وهناك فرق ولا شك بين الاثنين.

د. خالد القحص
kalqahas@alwatan.com.kw
@drkhaledalqahs
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
486.0107
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top