مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

ديمة قلم

مذكرات أميرة عثمانية

د.سعود هلال الحربي
2012/02/29   10:49 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image

بعض الكتابات الذاتية يكون لها مصداقية موازية للكتابات التاريخية الموثقة


سقوط الدول أو الأنظمة السياسية في أي وقت من الأوقات يُعد من المراحل التاريخية الحاسمة في حياة البشرية خصوصا اذا كان النظام عريقا أو له دور سياسي بارز أو لطول مدة بقائه، وهذا يرجع لحالة التغيرات التي ستصاحب هذا الانهيار أو النهاية والتي قد تكون دامية أو سلمية وأيا كانت فالنتيجة واحدة اسمها انتهى كل شيء، ونحن الآن في زمن سقوط بعض الأنظمة كما شهدنا في تونس ومصر وليبيا وهناك دول تتأرجح، ومن الطبيعي ان يلي هذا السقوط كتابة تاريخية وسياسية عدا التحليلات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من أفق الكتابة والتنظير، ونحن بالطبع ننتظر ان كان في العمر بقية.
ولكن مهما كانت الكتابة التاريخية وثيقة ان صيغت بأمانة، نجد ان هناك كتابات موازية لها وان لم تكن بمستواها العلمي أحيانا وذلك لذاتيتها، وهذا ما نجده في الانتاج الأدبي مثل الشعر والرواية والقصة أو المذكرات وغيرها من الفنون الأخرى، وعلى قدر قوة هذه الأعمال وجاذبيتها تكون قيمتها الفنية ثم التاريخية.
من السير الذاتية التي حملت نفس المعنى أو الفكرة التي طرحتها سابقا كتاب (حياة أميرة عثمانية في المنفى) للكاتبة كينزي مراد وهي خليط من الثقافات فوالدها من أمراء الهند ووالدتها سلمى سليلة سلاطين بني عثمان في تركيا، وولدت في فرنسا وتشكلت شخصيتها بين هذه المتداخلات وسبق ان كتبت عن ذلك في مقالة سابقة.
الكتاب على الرغم من كبر حجمه الا انه جاء بترجمة وأسلوب قد لا يضاهيان فعلا، فالقارئ لا يستشعر الانفصال بين الأفكار والكلمات والنفس السردي، لذلك جاء الكتاب جميلا في عباراته وصياغته، وقد ساعد على ذلك عمل الكاتبة في الاجتماع وعلم النفس فكأنها تعرف الكلمات التي تختزل المشاعر وتوضحها دون اطالة، حيث بدأت القصة بجري البطلة سلمى في القصر معلنة وفاة السلطان عبدالحميد الذي أقصى جدها من أمها مراد وهو شقيقه عن الحكم لتزف الخبر لوالدتها خديجة ذات الشخصية القوية والمتمسكة بكل التقاليد العريقة، ثم تبدأ نهاية فصول سقوط الدولة العثمانية الى ان يتم ترحيل كل أفراد العائلة تباعا وفي كل الاتجاهات بالطبع.
وهنا تبدأ رحلة سلمى المضنية والتي تعيش خبرات متعددة وتتشكل شخصيتها المتمردة العنيدة والتي يقودها قدرها من بيروت الى الهند الى باريس لتكون نهايتها هناك، وسط عواصف وحياة انسانية مضطربة، مع والدة عاشت بكل ألم سقوط حكم والدها ثم انهيار دولتهم ليكون البحث عن مستقبل ابنتها سلمى بعد ان تخلى عنها زوجها وفضل البقاء لأنه بالأساس لم يحمل الدم العثماني.
من يقرأ الكتاب لابد ان تمر به خواطر عدة، بعضها يجعل المرء يبتسم وبعضها يتألم وغيرها يصيبك بالدهشة والاستغراب، ولكن من الأمور التي تقف في الذهن كيف تكون نهاية الدول وما ينتج عنها من تبعات فسبحان من بيده الملك يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء سبحانه كذلك حالة الضياع التي تلي الانهيار خصوصا عندما يكون الخصم شرسا وقاسيا مثل أتاتورك وكأنه ينتقم لنفسه من أسرة أو بشر قدرهم أنهم أبناء بني عثمان، ولكن المحزن حقا هو مسألة البحث عن هوية تشكل شخصية الانسان وتمده باحساس الوجود والقيمة البشرية له، وهذا ما وجدناه في حياة سلمى من خلال المذكرات حيث والدتها تبحث لها عن زوج ومجد فكادت ان تتزوج البنت من درزي لبناني ثم وجدت لها الوالدة أميرا ألبانيا الى ان كان قدرها مع أمير هندي لتنتقل الى بيئة مغايرة لحياتها في كل شيء، لتنتهي مأساتها بصورة عبثية كأنها لا تحمل أية قيمة ولتكون نسيا منسيا لولا مذكرات ابنتها التي لم ترها، وهذا هو الانسان مهما طال به العمر ومهما كانت حياته خصبة ومليئة بكل شيء ومثيرة لابد من الفناء والنهاية فنسأل الله السلامة.

د.سعود هلال الحربي
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 
مقالات ذات صلة بالكاتب

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
287.0116
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top